الدكتور الريسوني يرد على «بيت الحكمة»: يا أنصار الخمر اتعظوا…

05 أكتوبر 2015 21:23
د. أحمد الريسوني يكتب: رمضان بين الجود والإسراف

الريسوني يرد على «بيت الحكمة»: يا أنصار الخمر اتعظوا...

هوية بريس – د. أحمد الريسوني

الإثنين 05 أكتوبر 2015

إذا كنتم تؤمنون حقا بالحق في الاختلاف، فلماذا قامت قيامتكم لمجرد رأي فقهي عبرتُ عنه، بحيثياته وأدلته العلمية، ودعوت فيه الناس -مجرد دعوة- إلى ممارسة حقهم وحريتهم في اجتناب التسوق ممن يبيعون السموم الفتاكة.

ليس أمامكم -يا أنصار الخمر- أن تغيروا القانون الجنائي فحسب، بل عليكم أن تغيروا ما لا يقبل التغيير في الدستور المغربي، أعني ما جاء في الفصل السادس بعد المائة من الدستور، وهو أن ”النظام الملكي للدولة، وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي، لا يمكن أن تتناولها المراجعة”.

منذ أكثر من قرن أطلق الفيلسوف الألماني كارل ماركس نداءه وشعاره الشهير (يا عمال العالم اتحدوا). وقد اقتبستُ عنوان هذا المقال من عبارة ماركس المذكورة، لأنني اليوم أخاطب ناسا يعظمون ويحترمون كل من هو غربي وعصري ولاديني. فلذلك أدعوهم وأناديهم بعبارة شبيهة بعبارة كارل ماركس، وأقول لهم: (يا أنصار الخمر اتعظوا…).

لقد اطلعت هذا اليوم على (بيان) صادر عن جهة تسمي نفسها (بيت الحكمة). وقد حاولت أن أتذكر شيئا عن هذا الاسم وما عساي أعرف عنه وعن أصحابه، فتذكرت بيانا آخر كان قد صدر بهذا الاسم يدافع عن الحق في الممارسة الطبيعية المعلنة للشذوذ الجنسي بالمغرب.

عندها تذكرت مجموعة من المخمرين (السكايرية)، كانوا من الموظفين اللامعين بعدة مصالح إدارية بمدينة القصر الكبير. وقد كانوا يَسخرون من حالتهم فيسمون أنفسهم تهكما (جمعية الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف)، وكانوا يضعون شروطا للانضمام إلى ”جمعيتهم”، من بينها شرب الخمر والزنى والرشوة… وأحسب أن أكثرهم أو كلهم قد تابوا إلى الله وأصلحوا حالهم، ويفترض أن بعضهم قد توفوا، لأني عرفتهم لما كنت موظفا بالمحكمة خلال السبعينيات من القرن الماضي، وكانوا هم يومها في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم، وكنت أنا في بداية العقد الثالث.

لكن المغرب اليوم أصبح يتوفر على جمعيات حقيقية، وقيل حقوقية، هدفها فعليا ورسميا هو ”الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف”، وكلهم في ذلك ”كيف كيف”.

أعود إلى بيان جمعية (بيت الحكمة)، التي عرفنا لحد الآن أنها جمعية تدافع عن الخمر وعن الشذوذ الجنسي، وتحارب من يُحَرِّمهما، كما تحارب القوانين التي تمنعهما.

1- جاء في بيان هذه الجمعية ”أن استهلاك الخمور بالمغرب يدخل في باب الحريات الفردية الأساسية، التي لا مجال فيها لتدخل السلطة أو غيرها بالردع أو المنع أو المصادرة”، وهذا أغرب ما سمعت في الدفاع عن الخمر؛ أن يُـعَدَّ استهلاك الخمور بالمغرب من ”الحريات الأساسية”. وهو موقف يكفي من شناعته أن نَذكره ونلفت النظر إليه. ثم إن هذا الحق الأساسي عندهم، ليس للسلطة ولا لغيرها مجال للتدخل فيه! ويضيفون: ”كما لا مجال للسعي إلى محاولة تنميط جميع أعضاء المجتمع في نموذج قيمي وحيد ونهائي، مهما كانت طبيعته أو مصدره”.

أليس هذا هو المقدس المطلق الذي لا يمسه أحد ولا يتدخل فيه أحد ”مهما كانت طبيعته أو مصدره”؟!

2- ومن هذا المنطلق يرى أصحاب البيان أن ”القانون الذي يَعتبر بأن الخمر لا يباع إلا للأجانب، أو الذي يعاقَب بموجبه مواطنون مغاربة على شرب الخمر أو اقتنائها، هي قوانين مخالفة لنص الدستور الذي يقر بالحريات والحقوق الفردية والجماعية وبالحق في الاختلاف، مما يستوجب إلغاءها لملاءمة القوانين الجنائية مع مضمون الوثيقة الدستورية ومع ما تم التعهد به دوليا من طرف الدولة المغربية”، وينسى هؤلاء -أو يجهلون أو يتجاهلون- أن أول جملة في تلك الوثيقة الدستورية تقول: ”المملكة المغربية دولة إسلامية”، وأن الفصل السادس منها ينص على أن ”الإسلام دين الدولة”، وأن هذا مقرر مستقر في جميع الدساتير المغربية، وقبل الدساتير المغربية. وليس في المغرب شيء راسخ مجمع عليه كالإجماع على هذه القضية.

فليس أمامكم -يا أنصار الخمر- أن تغيروا القانون الجنائي فحسب، بل عليكم أن تغيروا ما لا يقبل التغيير في الدستور المغربي، أعني ما جاء في الفصل السادس بعد المائة من الدستور، وهو أن ”النظام الملكي للدولة، وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي، لا يمكن أن تتناولها المراجعة”.

وفي انتظار تغييركم للقانون أو للدستور، يبقي عليكم وعلى الجميع وجوب احترام القانون وتنفيذه، والكف عن انتهاكه وعن التحريض على انتهاكه، فالفتنة كل الفتنة في تعطيل القوانين وانتهاكها والتحريض العلني على انتهاكها.

3- ثم إذا كنتم تؤمنون حقا بالحق في الاختلاف، فلماذا قامت قيامتكم لمجرد رأي فقهي عبرتُ عنه، بحيثياته وأدلته العلمية، ودعوت فيه الناس -مجرد دعوة- إلى ممارسة حقهم وحريتهم في اجتناب التسوق ممن يبيعون السموم الفتاكة، وذلك بكامل اقتناعهم وإرادتهم، دون إكراه أو تهديد أو ضغط. ولهم أن يراجعوا أو يستفتوا في ذلك من يثقون فيهم من العلماء ومن مؤسسات الإفتاء، كما لهم أن يتجاهلوا الجميع ويفعلوا ما بدا لهم. فلماذا تريدون مصادرة حقنا جميعا في الاختلاف معكم ومع باعة الخمور؟

4- ويرى أصحاب البيان ”أن أساليب تقنين تجارة بيع الخمور معروفة ومتداولة في الدول الديمقراطية، وتشمل عدم بيعها للأطفال والقاصرين، كما تشمل منع استغلالها في خرق قوانين السياقة أو إيذاء الغير وتهديد أمنه أو المسّ بحق من حقوقه”.

وأنا أسألهم -وألح عليهم جديا في الجواب- لماذا تؤيدون منع بيع الخمر للأطفال؟ ما المشكلة في بيعها لهم وشربهم لها؟ وإذا كان في ذلك مشكلة، هل هي خاصة بالأطفال؟ أليست مشكلة الكبار مع الخمر أكبر وأفدح من مشكلة الصغار؟ فالمخمرون الكبار -في السن فقط- حين يسكرون: يضربون زوجاتهم وأولادهم، ويشتمون آباءهم وأمهاتهم، ويبذرون أموالهم، ويتأخرون عن أعمالهم، ويقودون سياراتهم وشاحناتهم ودراجاتهم، فيفعلون بها ما تعلمون، إلى غير ذلك من الكوارث والمصائب الصحية والعقلية والاجتماعية، مما ليس خافيا على أحد. وأكثر هذه الأمور لا يفعلها الأطفال إذا سكروا. فإذا منعتم بيع الخمر للأطفال، فمنعُها على الكبار أولى وأحرى. فكيف تستسيغون هذا التناقض؟ وهل المخمور يستأذن أحدا حين يعتدي ويؤذي بنفسه أو بسيارته؟ هل سينتظركم لتمنعوه وتدفعوا أذاه؟

ومن تناقض أنصار الخمور، أنهم يدافعون عنها على نحو ما تقدم، ولكنهم لا يدافعون عن المخدرات وتجار المخدرات، فلماذا هذا التمييز العنصري أو الطبقي؟ هل لأن الخمر تجارة الأغنياء والحشيش تجارة الفقراء؟ أم هكذا فعل الغربيون، وأنتم على آثارهم مقتدون؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* كتبه الدكتور بتاريخ: 15 يناير 2010م، وأعاد نشره اليوم في صفحته في “الفايسبوك”، على هامش النقاش والحملة الشعبية ضد “مهرجان البيرة” الذي كان مزمعا تنظيمه في الدار البيضاء ما بين 08 أكتوبر و08 نونبر 2015.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M