أطفال سوريا ومأساة الحرب..

20 ديسمبر 2013 02:29
أطفال سوريا ومأساة الحرب..

أطفال سوريا ومأساة الحرب..

إكرام الفاسي

هوية بريس – الجمعة 20 دجنبر 2013م

لا شك أن أطفال سوريا هم أكبر متضرر من الحرب، فقد قاسوا شتى ألوان المآسي والمعاناة، وكل أشكال الترهيب والتعنيف، وسالت دماؤهم وتناثرت أشلاؤهم، عانقوا الموت بعد التعذيب والتنكيل، جربوا كل أشكاله..

قطعت حناجرهم الصغيرة بسيوف الغدر وخناجر الخيانة وبطريقة وحشية تقشعر منها الجلود..

قنصوا بالرشاشات، وقصفوا بطائرات ومدافع  في حرب إبادة تشيب من عظمها رؤوس الولدان..

اختفت أجسامهم الهزيلة بعد أن سحقتها أطنان من البراميل المتفجرة، خنقوا بأقذر الغازات، ودفنوا أحياء تحت حطام البنايات، بل حتى الأجنة اقتلعت من أرحام الأمهات..

وماتوا جوعا وعطشا، كما حرقوا أحياء بلهيب المتفجرات، أو تجمدوا تحت الصقيع والثلوج..

نكل بأمهاتهم أمام أعينهم، ونكل بهم أمام أعين أمهاتهم، فأنى لأم حملت فلذات كبدها بين أحشائها ثم سهرت عليهم الليالي، وبذلت من أجلهم الغالي والنفيس، أنى لها أن ترى جثثهم المستخرجة من تحت حطام مسكن خربته الأيادي المجرمة، وهي تحاول يائسة تقلبيها لعل فيها شريانا مازال ينبض بعرق من الحياة.. وأنى لهذه الأم أن تجمع ما تناثر من أشلاء أبنائها ثم تَدفنها بيديها الحنونتين كما تُدفن في صدرها كرها وحقدا على النظام النصيري الصفوي المتوحش..

وأنى لطفل صغير أن يشهد تعذيب أمه بتجريدها من ثيابها واغتصابها أمام عينيه البريئتين، ثم يشهد قتلها وهو يصرخ وينادي ما تبقى من إنسانية في هذا العالم، وهو مكبل بالأصفاد يعلم يقينا أنه ولو لم يقتل فورا بعد أمه، فقد قتله لا محالة سكوت حكام العرب وتآمر الغرب والهيآت الدولية.

من نجا من أطفال سوريا من رحى الحرب الضروس، لم ينج من العاهات المستديمة والأمراض والأوبئة الفتاكة، جراء غياب التطبيب أو نقص في الأدوية أو انعدامها، كما لم يسلم من طاحونة الأزمات النفسية الملازمة له، فما عايشه الأطفال من رعب وتيتيم وتشريد كفيل بتلطيخ ذاكرتهم بأهوال من المشاهد الدامية البشعة التي تطاردهم يقظة ومناما، وكفيل بسلب ابتساماتهم وتدمير ما تبقى من أحلامهم وأمانيهم..

الحرب في سوريا لم تترك للصغار شيئا، نهبت منهم حتى طفولتهم، فهم أشد متأثر بها بالنظر إلى حجم ومدى تداعياتها المباشرة عليهم وكذا أبعادها المستقبلية، فأبناء الشام اليوم هم شعبها غدا، فأنى لوطن أن يستعيد ما تبقى من شتاته وجل أبنائه يدفنون مشاعر الظلم والحقد والكره في قلوبهم..

أطفال سوريا ومأساة الحرب..

إنهم يجسدون الألم والبؤس والموت بحالهم ومخيالهم، حيث تجد الحرب وأهوالها قد تجلت على رسوماتهم وفي ألعابهم، فتراهم يرسمون الأسلحة والطائرات، ويلعبون لعب العنف، أو لعبة الشهيد المدفون، ولا تستغرب إن وجدت أن حلم بعضهم أن يحمل غدا بين يديه سلاحا يستعيد به عزة وطنه ويثأر به من كل يد تورطت في تيتيمه؛ وحلم آخرين أن يستشهدوا ليرقدوا في هناء في أحضان أمهاتهم وآبائهم الذين قُتلوا أمام أعينهم، بل ومنهم من حفر قبور آبائهم وأمهاتهم بأيديهم..

أعظم أمانيهم أن تنتهي الحرب وينعموا بوطن آمن يضمن لهم العيش الكريم والطمأنينة والسلام.

كما تجد المحظوظين من الأطفال قد تمكنوا من النزوح رفقة ما تبقى من أقاربهم نحو الدول المجاورة، إلا أن معظمهم يقاسون حياة مؤلمة ويعانون الإقصاء والتهميش والفقر وانعدام الأمن والاستقرار، بعض من ولد منهم في مواطن اللجوء لا يحملون أية هوية، كما أن نسبة كبيرة ممن هم في سن التمدرس لم تتح لهم الفرصة للالتحاق بالصفوف الدراسية.

تجدهم يعيشون في وضعيات صعبة في خيام أو مآوي مكتظة، كما اضطر بعضهم للبحث عن لقمة العيش لهم ولأهاليهم، ومنهم من صار يحترف التسول بعد أن أغلقت في وجهه وذويه كل الأبواب..

أطفال الشام اليوم هم رمز للحرمان والبؤس والنسيان والإهمال في العالم، والمؤسف أن المجتمع الدولي أتقن الرقص على جراحهم والاسترزاق بدمائهم ومستقبلهم -الذي أضحى غامضا-، فصار ينفخ في السر في جمار الحرب ليزداد لهيبها، فيبيع المزيد من الأسلحة؛ وفي العلن يطالب بتوفير الملايين للدعم المادي المفترض للاجئين، في حين أن هؤلاء الأبرياء بحاجة للحليب والطعام وللحب والحنان والأمن والأمان..

وفي ظل تجاهل الدول العربية والمسلمة لهذا الوضع اللاإنساني المنافي لقيم الإسلام والتكافل والوحدة، بل وكل القيم الإنسانية، وفي ظل تجاهل المجتمع الدولي لنصوص القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فالعالم -بكل دوله وهيآته ومنظماته- مسؤول عن الوضع في سوريا ومدعو لتقديم كل أشكال المساعدة لضحايا الحرب العزل، خاصة الصغار منهم؛ والبحث بشكل عاجل عن سبل وقف هذا النزيف الدموي والتصدي لآلة الحرب الأسدية والصفوية، وطي ملف هذه الأزمة الإنسانية..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M