رحلة لأجل الوطن رفقة “إرهابي”

01 يوليو 2013 10:38

إبراهيم بيدون

هوية بريس – الإثنين 01 يوليوز 2013م

ينسى أو يتناسى غالب الناس ذكرى ميلادهم في بلدنا الحبيب، غير أن من قدر الله ازدياده بتاريخ 16 ماي؛ صار يتذكره بكل تأكيد كل عام بعد سنة 2003م، لما شهده هذا اليوم من فاجعة مؤلمة بقيت مضرب الأمثال في تاريخ مغرب الألفية الثالثة، ومحطة للعظة والاعتبار، ومشجبا يعلق على مشانقه كل من سبح بحمد “القاعدة”، أو قال “حي على الجهاد”، أو دعا لقيام الخلافة الإسلامية بإقامة الشريعة، بل لقد صار أبناء الشعب المغربي بجميع تلاوينه يتفاعلون مع هذا الموعد السنوي وهم يستنكرون ويتبرؤون من  الحادثة “المتطرفة”، ومن الظلم الذي جرته على ضحاياها بشتى أنواعهم.

 

ورغم أن عشر سنوات مرت على هذه الفاجعة، فلا ندري لماذا تصر بعض الجهات على استمرار العزف على أوتار ألمها وجروحها، ويمكن إجمالهم كالآتي:

– أفراد يحملون الفكر المتطرف الذي يدعو لاستباحة دماء المسلمين.

– جهات أمنية يقظة، تخرج علينا بين الفينة والأخرى باستئصال خلية أو جماعة.

– جهات علمانية تستغل ملف التطرف لمهاجمة ومحاربة الفكر السلفي للانتصار لعلمانيتها القائمة على فصل الدين عن الحياة العامة (الدولة)، ونشر قيم التمرد والإباحية..

ولعل أشهر ضحايا الذكرى العاشرة لـ 16 ماي هذه السنة؛ الصحفي والمدون والحقوقي مصطفى الحسناوي؛ حيث تم استدعاؤه يوم الخميس 16 ماي 2013م من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبيضاء، بناء على تعليمات النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط من أجل التحقيق معه، وبقي في “كوميسارية” المعاريف 12 يوما على ذمة التحقيق، ثم تم عرضه على قاضي التحقيق بمحكمة سلا يوم الإثنين 27 ماي 2013م، وكانت المناقشة في المحكمة منصبة حول سفره لتركيا سنة 2009م، حيث حاولت السلطات ربطه بنية ذهابه إلى أفغانستان.

هذا ما في الأمر؛ غير أن منابر إعلامية مغرضة؛ مشهورة بنشر تقارير مخابراتية سوداء قبل أن يقول القضاء كلمته في المتهمين (وهو ما يكون له تأثير سلبي على الأحكام)، مارست تضليلها الذي دأبت عليه مع الصحفي الحسناوي، حيث ذكرت أن المعتقل يتابع بتهمة (تكوين عصابة إجرامية خطيرة تستهدف المس بالأمن العام عن طريق الإعداد لارتكاب أعمال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف).

وحول هذه التهمة التي تنهد لها جبال الريف وسلسلة الأطلس الصغير والمتوسط والكبير وربما “الألب” و”الهمالايا”، والتي تتراوح نسبة سنوات السجن عقابا عليها بعد تفعيل قانون الإرهاب في المغرب، ما بين الثلاثين سنة والمؤبد، ولأن الحسناوي يمثل مجموع تلك العصابة (المكونة من شخص واحد)، فهو العقل المدبر، والزعيم والقيادي، والمنفذ والممول.. فيلزمه رزمة كبيرة من العقوبات؛ قد تصل إلى بقاء الحسناوي في السجن إلى أكثر من قرن، هذا إن كان من الخالدين!!

قلت: وحول هذه التهمة أحببت المشاركة في الموضوع لتفنيدها بما أعرفه عن المتهم، وبما عشته مع الأخ والصديق مصطفى الحسناوي قرابة العام أو يزيد ونحن نشترك مهنة المتاعب، ومعركة القلم في وجه من يريد سلخ هوية هذا البلد، وفضح مخططات أعدائه في الداخل والخارج، وقد فاتني بمفاوز في ربط العلاقات، وإجراء الحوارات مع شخصيات مهمة.. وبالخصوص في إجراء التحقيقات المصورة، كتحقيق فتاة الرباط التي اعتدى عليها صبية وصعاليك، ونسبت الاعتداء جريدة “الصباح” لسلفيين، فتصدى لذلك بحماسته في كشف زيف أخبار المغرضين، وأثبت في تحقيقه المتواضع تلك الفرية.

كما تجشم عناء السفر والبحث عن والد المختل عقليا بفاس والذي ذكرت جريدة “أخبار اليوم المغربية” أنه سلفي قام بقتل يهودي، ومرة أخرى يتم تكذيب هذه الفرية، وأظنه لو كان يملك الإمكانيات لطار إلى جبال الأطلس الكبير وبالضبط إلى الموقع الأثري “ياغور” ليقوم بدوره في تفنيد مزاعم عصيد وبوبكر أنغير في زعمهم وادعائهم كذبا وزورا أن سلفيين قاموا بتدمير مآثر تاريخية لها من العمر 8 آلاف سنة؛ أهمها لوحة الشمس.

وكان آخر تحقيقاته المتميزة؛ الفيديو الذي صوره، ويكشف فيه قضية التلميذات اللواتي تم إيقافهن من الدراسة بمدينة طنجة بحجة لباسهن المتشدد، المتمثل في طول غطاء الرأس، والذي لاقى تفاعلا كبيرا، وكان من الأسباب القوية في عودة التلميذات لمقاعد الدراسة، وقد ذهب البعض في تخميناتهم لأسباب إلقاء القبض على الحسناوي هذا الفيديو المتميز..

إن الأدلة والحجج التي تفند مزاعم تلك التهمة الخطيرة كثيرة، على رأسها أنه كثيرا ما صرح بأنه ضد العمليات التخريبية، وأنه ضد ارتكاب أعمال متطرفة تهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف، وله مواقف حقوقية وجمعوية تشهد على ذلك.

غير أني أردت تذكير وتعرفين المتتبعين ومن يهمهم الأمر بواقعة عشتها مع الحسناوي لحظة بلحظة، وشبرا بشبر، تفند بدورها التشكيك في ولائه لوطنه، وأنه عدو لأمنه واستقراره وحريته واستقلاله..

الكثير أو البعض يتذكر النداء الذي أطلقته اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر، من أجل المشاركة في مسيرة وطنية باتجاه شبه جزيرة باديس المحتلة من طرف العدو الإسباني، بتاريخ 03 أكتوبر 2012م، وقد شاركنا سوية وعشنا أطوار مهزلة هذه المسيرة، وكنا كتبنا عنها تغطية مشتركة؛ نشرت في جريدة السبيل بتاريخ 16 أكتوبر 2012م تحت عنوان: “الوجه الآخر لمسيرة تحرير (شبه جزيرة باديس)”، وسأحاول أن أعيد ذكر بعض تفاصيل تلك الرحلة، وذكر ما خطته أناملنا، وما نطق به قلبنا، قبل أن نخرجه ليقرأه القراء الكرام، وهو ما يبين غيرة الرجل على بلده، وولائه لوطنه وأمته، ومما جاء فيها:

“لم نتردد ونحن نقرأ النداء.. في اتخاذ قرار المشاركة في حدث بدا لنا تاريخيا بكل معنى الكلمة، وقبل ذلك هو واجب تمليه العقيدة والأخلاق والرجولة والشهامة، بل هو أقل الواجب تجاه ثغر محتل وأرض مغتصبة مسلوبة.

انطلق القطار يوم 2 أكتوبر من محطة سلا قاطعا تسع ساعات قبل أن يصل إلى مدينة الناظور على الساعة الحادية عشر ليلا، هناك قضينا ليلتنا قرب محطة سيارات الأجرة في ليلة باردة افترشنا فيها الأرض والتحفنا السماء ننتظر فرصتنا للظفر بأول رحلة باتجاه مدينة الحسيمة، خاصة وأن سفرنا صادف إضرابا عاما للحافلات على المستوى الوطني.

كان الجو باردا والمكان لا يطمئن للاستمتاع بنومة هادئة (بسبب تواجد بعض السكارى والمشردين) ما اضطرنا للسهر ونحن نتبادل أطراف الحديث إلى ما بعد الثالثة ليلا، حيث اكتمل نصاب الرحلة، فانطلقت بنا سيارة الأجرة لمدينة الحسيمة، التي وصلناها مع أذان الفجر، فصلينا في مسجد قرب المحطة واتجهنا بعد الصلاة صوب إحدى مقاهي المدينة لتناول وجبة الفطور”.

كنا قد أحسسنا بالتعب والإعياء جراء السفر الطويل وانعدام النوم والراحة، ولكن هذا لم يمنعنا من إكمال واجبنا وتسجيل موقفنا الذي كان أكبر من مجرد تغطية صحفية، مع العلم أن واجبات مصاريف الرحلة كانت من جيبنا الخاص بنسبة 50% مما اضطرنا إلى اعتماد خطة تقشفية في الأكل والنقل..

“عند اقتراب موعد انطلاق المسيرة توجهنا للمكان المخصص للتجمع والانطلاق بأجدير، حيث كنا قبل الموعد بساعة من الزمن، كل ذلك تحمسا منا للقضية ولنضمن أن لا تفوتنا لحظة من لحظات هذا الحدث، فضلا عن أن نتخلف عنه أو نضيعه..

التاسعة صباحا لا أثر لأي تجمع، العاشرة صباحا قدمت سيارة دفع رباعية بلوحة أرقام إسبانية، لينزل منها عدد من الأشخاص بأيديهم حواسيب وهواتف ذكية، وأخذوا مكانا بالقرب منا في المقهى، عرفنا من النقاش الدائر أنهم من اللجنة المنظمة، تبادلنا مع أحدهم الكلمات وطلبنا منه الإدلاء بتصريح، فطلب أن نؤجل ذلك إلى عين المكان..

الساعة الحادية عشرة، لا أثر لأي تجمع أو توافد أو تقاطر للمشاركين، تقدمنا مجددا من نفس الشخص لنستفسره، لكنه بدا مرتبكا فأجابنا أنه ربما تم منع النشاط، لم نصدق ذلك، من سيمنعه؟ ولماذا؟ وكيف؟ وخمنا أنه ربما فشلت المبادرة فتم اختلاق قصة المنع.

فجأة تبخر المنظمون، وبدا مكان التجمع خاليا إلا من بعض الأفراد الذين لا يتجاوزون العشرة بينهم صحفيَيْن، فكرنا في الاتصال مجددا بالشخص الذي وضع رقمه رهن الإشارة، لكن بقي الهاتف يرن لمدة طويلة ولمرات ومرات، قبل أن يقفله نهائيا!!

في تلك الأثناء بدأت تمر أمامنا سيارات الأجرة والعربات والشاحنات الصغيرة محملة بالشباب والأعلام الوطنية والأمازيغية من غير توقف، لم نفلح في إقناع أي منها لاصطحابنا، رغم أننا التزمنا بالنداء كما تم توزيعه وأيضا بما جاء في مكالمة صاحبنا التي أكد لنا فيها أن لا شيء تغير، وهو التجمع في المكان المحدد من أجل الانطلاق جماعة، لكن يبدو أن التجمع تم في نقطة أخرى وقضي الأمر الذي فيه نستفتي المجهول.

فكرنا في أخذ سيارة أجرة على حسابنا، رغم أننا لا نعرف المكان تحديدا، لكن عقارب الساعة كانت تطاردنا فنحس بها تحاول إخراجنا من المنطقة وطردنا وإرجاعنا خاويا الوفاض، من دون حتى خفي حنين، أو الأحرى خفي يحيى يحيى المسؤول عن هذا النشاط.

أخيرا توقفت سيارة أجرة كبيرة، ونزل منها شخص يحمل أوراقا وملفات، كان يتحدث في هاتفه المحمول بدا كأنه ينسق ويوجه، فقصدناه كورقة أخيرة، كي لا يضيع مجهودنا هباء ويذهب حرصنا أدراج الرياح. سألناه هل أنت من اللجنة المنظمة فأجاب بالنفي، توسلناه أن يساعدنا في إيجاد وسيلة للوصول إلى الجزيرة لأننا جئنا من الرباط، وعلينا المشاركة في الحدث والرجوع في نفس الوقت، وأضفنا أننا مستعدان لدفع أي مقابل عن هذه الخدمة.

كان شخصا لطيفا أوقف سيارة أجرة كبيرة وأمر صاحبها بإيصالنا وإرجاعنا، تبين فيما بعد أنه مسؤول بنقابة سيارات الأجرة بالناظور، السائق أيضا تعامل مع أمر صاحبه كأنه إذن بأن يكتفي بأخذنا دون غيرنا وإرجاعنا معتقدا أننا شخصيات مهمة، فانطلق بنا كسائق شخصي، سعيدا بهذه الحمولة الخفيفة التي فاز بها دون سائر زملائه، لم يكتف بدور السائق بل كان دليلا سياحيا حيث كان يشرح ويفسر ويوضح كلما نصادفه في الطريق، قطعنا مسافة ثلاثين كيلومترا قبل أن نصل لمنطقة تسمى “احد الرواضي”، ثم قطعنا مسافة عشرين كيلومترا في طريق وعرة غير معبدة بين الجبال ووسط الشعاب والوديان، أخيرا بدأت تتراءى أمامنا شبه الجزيرة؛ وهي عبارة عن صخرة كبيرة شامخة تنبت وسط المياه، يحيط بها سواد وبياض، لم يكن البياض سوى أسطول من حوالي ثلاثين سيارة أجرة كبيرة، تكلفت بنقل المشاركين من مدينة الناظور، أما السواد فقد كان تشكيلات من رجال الأمن المغربي بخوذهم وأدرعهم وهراواتهم، بدوا لنا والله أعلم أن عددهم يفوق عدد المشاركين الذين كان جلهم من النساء والقاصرين والمراهقين فتيانا وفتيات، ترجلنا من السيارة وتوجهنا صوب تجمع المحتجين، لنتفاجأ بصور غير مشرفة وصادمة ومحزنة، ندمنا على إثرها أننا تكبدنا كل ذلك العناء من أجل لا شيء.

كان أول ما طالعنا من مناظر محزنة هو عدد المشاركين وطريقة تنظيمهم والشعارات التي يرفعونها، فقد كان العدد بين 150 و200 مشاركا على أعلى تقدير، يرفعون شعارات أشبه بأناشيد وأهازيج الأطفال.

المشاركون أغلبهم من سكان المناطق الداخلية، حيث لم تشارك الفعاليات الريفية وسكان إقليم الحسيمة والمناطق المجاورة والقريبة ولا حتى المحاذية للمستعمرة.

غياب اللجنة المنظمة بأعضائها ورئيسها، حيث بدا الأمر أشبه بلجنة افتراضية تحرك الناس عن طريق العالم الافتراضي وتتابعهم من خلاله.

استغلال أحد الناشطين الجمعويين المكناسيين غياب المنظمين، وتصوير فيديوهات وإعطاء تصريحات بدا من خلالها كأنه نظم النشاط وسهر عليه، وأعطى انطباعا من خلال الفيديوهات أن النشاط كان كبيرا ومشرفا، وهي طريقة للاسترزاق بالنضال بدأت تطفو وتتكرر للأسف خاصة من بعض المتسلقين والمسترزقين والمتاجرين بقضايا الوطن الذين يجيئون فقط من أجل أخذ صور وإعطاء تصريحات ثم التسلل بسياراتهم الفارهة.

دامت الوقفة حوالي نصف ساعة ليتسلل المنظم المتطفل دون إخبار أحد، مغادرا أرض المعركة بعد أن نفذ غزوته أمام الكاميرا متوعدا بالمزيد من النضال حتى تحرير آخر شبر، ليبقى بعدها المحتجون بلا رأس يقودهم، فتحولت الوقفة لرحلة استجمام، فضل البعض خلالها أخذ حصة سباحة، وفضل آخرون سباحة مختلطة وفرتها لهم اللجنة المنظمة، في حين كان بعض المراهقين يدخنون الحشيش، دون الحديث عن السجائر العادية.

أثناء تجولنا اقترب منا أحد المشاركين وسألنا هل أنتما صحفيين، أجبناه بالإثبات، فقال أن المنظمين وعدوه بتقاضي 120 درهم مقابل حضوره، لكنه لم يجد من وعده بين الحاضرين، بل لم يجد أيا ممن يمكن أن يتفاهم معه، معتبرا أنه تعرض لعملية تغرير وكذب واستغلال، مضيفا أنه قام هذا الصباح متوجها للموقف كعادته لعله يحصل على عمل كمياوم، وبينما هو في الموقف توقفت سيارة فخمة ونزل منها أحد الأشخاص تقدم منه وسأله هل تشتغل مقابل 120 درهما، ولما تساءل عن طبيعة العمل، أخبره هذا الشخص أن هناك من أساء للإسلام وهم بصدد تنظيم وقفة للتنديد بذلك، وأن الأمر يتطلب ساعتين فقط، ودون أن يعرف المزيد من المعلومات ولا حتى مكان الوقفة أو الجهة المنظمة ركب المسكين السيارة لتتجه به لمحطة سيارات الأجرة، هناك كانت أفواج المشاركين قسرا وغدرا وجهلا تساق إلى حيث لا تدري.

قضية استفادة البعض من 120 درهما أكدها عدد من المنظمين أنفسهم وقد جاء في تصريح لسعيد الشرامطي عضو اللجنة المنظمة ما يؤكد الأمر، وأضاف أن هناك من استفاد من مبلغ 50.000 درهم؟!

لم يدم الأمر أكثر من ساعة قبل أن تبدأ السيارات في التحرك، سألنا أحد الشباب هل قبضت أجرك، أجابنا متلعثما: أي أجر؟ فقلنا له: سمعنا أنهم تراجعوا عن دفع أجر المشاركين، فأجاب منفعلا: من الذي تراجع؟ قلنا له: هذا ما سمعنا، فأجابنا: لا؛ أنا الذي وعدني يقطن بحينا، وسأطرق باب منزله ليعطيني ما وعدني به، قلنا له: هل أتيت وحدك؟ أجابنا: أنهم مجموعة من شباب الحي وشاباته.

في تلك الأثناء كانت السيارات تغادر المكان مخلفة وراءها غبارا أبيض شكل حاجزا بينها وبين الجزيرة ومحتليها والحائط الأمني الذي شيد لصد المحتجين.

ركبنا رفقة سائقنا وانطلق بنا لنقطة البداية، كان جبل الجزيرة الذي تمخض فولد فأرا صغيرا جدا، يبتعد ويتوارى عن أنظارنا شيئا فشيئا، حتى لم يعد له أثر، قفلنا راجعين في دورة سفر عكسية، متعبة ومؤلمة هذه المرة، لأنها عكس سابقتها كانت بطعم خيبة الأمل، قضينا ليلتنا على متن القطار لم نذق خلالها طعم النوم لثاني ليلة، أصبح الصباح وترك الرجال الجهاد إلى النضال “اللايت” والاحتجاج المباح.

حين وصلنا كانت عدة أسئلة تموج في الذهن من قبيل:

ما السبب الذي جعل نشاطا مهما كهذا يفشل؟

هل الأمر له علاقة بالمنظمين أنفسهم أم بالتوقيت أم بضعف التواصل؟

لماذا التهاون في قضية مهمة ومصيرية كهذه؛ المفروض أن يحج لها الناس أفواجا أفواجا، زرافات ووحدانا؟

لماذا تخلف المنظمون عن حضور نشاط دعوا له؟

هل كان عدم استجابة الناس للدعوة لأسباب مرتبطة بالمنظمين؟

هل كان عدم استجابة الناس للدعوة وراء ترويج إشاعة منع السلطات للنشاط، ومن ثم اللجوء لقضية البيع والشراء التي تمت؟

ألا يضر هذا الأمر بقضية وطنية تاريخية ومصيرية؟

ألم يتم استحضار أن المراقبين والمتابعين الأجانب، بل المخابرات الأجنبية تتابع القضية خطوة بخطوة وتعد لأجل ذلك التقارير؟ فكيف تكون صورتنا بعد هذه المهزلة؟

هذه الأسئلة وغيرها نضعها بين يدي كل غيور، من أجل تقييم هذا الحدث واستقاء الدروس والعبر، نطرحها ببالغ الحزن والأسى، ونحن نرى كيف أن قضايا مصيرية ينزل بها بعض من لا مسؤولية ولا حس له إلى هذه المستنقعات، إما بسبب الاستهتار واللامبالاة؛ أو بسبب الأغراض والأطماع الشخصية والحزبية”.

هنا انتهت التغطية أو الرواية الحقيقية لهذه الرحلة التي عشتها أنا وزميلي الحسناوي والتي خرجنا من ورائها بأسئلة تقض مضجع كل غيور على مصلحة هذا البلد..

فهل بعد كل تلك التضحية في قضية واحدة فقط، يمكن القول أن المعتقل الآن في زنازين سجن سلا2، “إرهابي”!!! يهدد أمن وسلامة واستقرار هذا البلد؟

هل من يكتب تلك الكلمات التي تقطر غيرة على مصلحة هذا الوطن، ودفاعا عن كرامته في استكمال استقلال أراضيه من أيدي المحتل الإسباني، يمكن اتهامه بأنه “عصابة إرهابية”؟

وللإشارة، فبعد هذه الرحلة تكلفنا سوية بإعداد ملف العدد (لجريدة السبيل)؛ الذي نشرت فيه تلك التغطية، وكان تحت عنوان: “الأراضي المغربية المحتلة.. إهمال وتقصير”..

ثم أليس من العيب غض الطرف عن أنشطته الأخرى من غير التدوين والصحافة، وهي مما يؤكد تفاهة تلك التهمة مع الواقع الحقيقي للرجل، فمصطفى الحسناوي كذلك مناضل حقوقي، وهو عضو في “منتدى الكرامة لحقوق الإنسان”، واشتهر بدفاعه عن معتقلي ملف ما سمي بـ”السلفية الجهادية”، ومعلوم أن أطراف عديدة تدعو في هذا الخصوص إلى مصالحة وطنية للخروج بأقل الخسائر في هذا الملف الشائك الذي صار وجها من أوجه التضييق على الحقوق والحريات والظلم في المغرب؛ أليس من العقل والحكمة إذن تشجيع الحسناوي كطرف مساهم في حلّ القضية؛ لا اعتقاله ليصير ضحية ما كان يناضل لمحاربته؟

بالإضافة إلى موقفه في الدفاع الإعلامي عن تلميذات طنجة، وعن الجنود المغاربة العائدين من جحيم اعتقال مخيمات البوليساريو، وحالات أخرى..

كما أن الزميل مصطفى الحسناوي كان محبا للمشاركة في الأعمال الاجتماعية رغم أنه لم ينتسب رسميا لإحدى الجمعيات أو المؤسسات، ليثبت أنه فاعل مدني لأجل خدمة تنمية وازدهار هذا البلد.

وأخيرا أطالب نيابة عن نفسي وعن كل من يعرفه وكل غيور عن مصلحة هذا البلد، أن يتمتع القضاء في متابعته بالاستقلال الكامل وأن يتصف بالنزاهة والحياد، وأن لا يرضخ لسياسات تعمد تجريم أبناء الوطن، وإلباسهم تهم العداء له، بحجة انتمائهم فكريا لكل الأمة، وهو الأمر الذي لا يتعارض مع الولاء والمحبة للوطن، والدفاع عنه وعن استقراره..

وفي انتظار حصوله على البراءة، يبقى شعارنا: (أطلقوا سراح مصطفى الحسناوي، وليحيى القضاء النزيه الشريف المستقل).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M