منطق الإقصاء في ذكرى المطالبة بالاستقلال

14 يناير 2014 18:20
منطق الإقصاء في ذكرى المطالبة بالاستقلال

منطق الإقصاء في ذكرى المطالبة بالاستقلال

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الثلاثاء 14 يناير 2014م

عرفت مسألة الاحتفاء بذكرى وثيقة المطالبة بالاستقلال رفضا رسميا، قابله حزب الاستقلال خاصة بالإصرار على التذكير بها، وبغيرها من المناسبات التي كان للحزب بها علاقة إما تنظيمية أو مذهبية من قبيل المناسبات الإسلامية والوطنية، في مواجهة المدّ الشيوعي والاشتراكي والتغريبي عامة..

إلى أن تم تبني الدولة الاحتفال بها لاعتبارات مختلفة منها مشاركة الراحل محمد الخامس فيها، ووفاة أغلب موقعيها وتعاقب الحزب على الحكم والاعتراف بالملكية من طرف المطالبين بإسقاطها بعد عدد من المحاولات الانقلابية الفاشلة، وسقوط الاتحاد السوفياتي، وتراجع موضة الجمهوريات، وبروز الإسلام السياسي، وغير ذلك من المؤثرات التي سوغت العودة للنظر فيما كان غير مقبول بالأمس مثل إحياء ذكرى 11يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال.

وتبعا لهذا الفرش كان من البديهي الانطلاق مما هو موجود من أدبيات مكتوبة عن الموضوع، وإغفال التوسع فيه لما قد يجر من تبعات منها: الحديث عن رواد المطالبة بالاستقلال انطلاقا من الفقيه الحاج محمد لعتابي الذي حضر مؤتمر الإستانة سنة 1913، حيث طالب فيه المجتمعين بالاعتراف باستقلال المغرب، فكان جزاؤه أن حكمت عليه المحكمة العسكرية الفرنسية بالمنع من العودة لدخول المغرب، ولم يثنه ذلك عن تكرار الطلب في مؤتمر استكهولم سنة 1917، حيث أكد طلب الاعتراف باستقلال المغرب وضم إقليم شنقيط إليه، ومات الرجل بمصر دون أن يعرف له تاريخ وفات (المعلمة 5/5976).

لذلك فالحديث على أن فكرة استقلال المغرب أخرجها لحيز الوجود حزب الاستقلال، قد لا تستقيم مع الشواهد التاريخية التي نقدمها والتي لا تبخس الحزب دوره الريادي في الموضوع، وهو ما نريد أن يثبت لغيره، بل إن هناك من المطالب ما كان أقل مما قدم في الشمال كما سنرى، وأن نفس الخطوات التي اتبعت في الشمال رسميا اتبعت في الجنوب بعدها بأربع سنوات.

فيوم 11 قدمت الوثيقة، ويوم 12 عقد اجتماع بالقصر الملكي حضرته الهيأة الوزارية والرؤساء، وتم تكوين هيأة لدراسة الوثيقة استعدادا للدخول مع فرنسا في التفاوض على أساسها (ص:40 عبد الله الجراري “صفحة من صفحات الماضي للكتلة”).

وقبل 11 يناير 1944 خرجت مظاهرة ضخمة بتطوان في 17 يونيو 1940 بعد إعلان الهدنة إثر سقوط باريس في يد الألمان، تهتف باستقلال المغرب مرددة شعار: “المغرب للمغاربة، نريد مغربا موحدا، نريد مغربا مستقلا”، وقد خرجت المظاهرة من الجامع الكبير الذي اجتمع فيه المكي الناصري والطريس معلنة وحدة مطلب الاستقلال.

وفي اليوم الموالي عقد الخليفة مولاي المهدي اجتماعا مع زعماء الحركة الوطنية والحكومة الخليفية لمعرفة نظر الجميع في مصير المغرب ومستقبله، وقد رفع الجميع مذكرات رسمية مكتوبة بما تراه كل هيئة.

كتب في (عدد:143) من جريدة الوحدة المغربية بتاريخ:21/06/1940 المكي الناصري افتتاحية بعنوان: “من الحماية إلى الاستقلال” جاء فيها: “فهل تعترف إسبانيا بوحدة التراب المغربي وحرية الدولة المغربية واستقلالها التام، أيها المغاربة استيقظوا، واشهدوا أن شعار الوطنية المتحدة هو الوحدة المغربية والحرية والاستقلال”.

وفي 5 يوليوز 1940 نشرت جريدة الوحدة “الكتاب المفتوح الذي رفع إلى فرانكو”، يطلبون منه التدخل لإطلاق سراح أنصار الوطنية المسجونين، وعودة الزعماء المنفيين، مذكرينه بتصريحه لجريدة “الفطرة الإسلامية” الصادرة في بيونس إيرس يوم 10 ماي 1938 “بأن الشعب المغربي جزء من العالم العربي، جدير بحياة الحرية والاستقلال”.

ومؤتمر القاهرة في 15 مايو 1938 الذي كان من قراراته طلب “الاعتراف بحق الشعب المغربي وحريته وإزالة جميع العراقيل الموضوعة في طريق وحدته واستقلاله على أساس معاهدات جديدة”.

إن المغرب اليوم يتلهف على وحدة ترابه، ويهفو إلى استعادة حريته واستقلاله، أكبر من أي وقت مضى (أنظر عدد:145، 5/7/1940).

وفي 11 نونبر 1942 تم الكشف عن مذكرة حركة الوحدة المقدمة في 18 يونيو1940، ومما جاء بها:

“- إن الوطنية المغربية لا تقبل أي حلّ إلا على أساس توحيد جميع أجزاء التراب المغربي.

– لا تقبل التنازل عن أي شبر من التراب الوطني.

– لا تقبل السيطرة على الجيش المغربي بأي أسلوب، بل لا بد أن يكون جيشا قوميا تحت أوامر القائد الأعلى للأمة المغربية.

– لا نقبل أي اتفاق يكون على أساس التدخل في الاقتصاد المغربي والمالية المغربية.

– حفظ حق المغرب في تمثيل نفسه بنفسه سياسيا ودبلوماسيا.

– تأليف حكومة قومية”.

وفي 18 نونبر 1942 تم إنشاء الجبهة القومية للوطنية المغربية بين حزب الإصلاح وحركة الوحدة، وأصدرت ميثاقا بذلك سمي: “الميثاق الوطني” جاء فيه:

الميثاق الوطني أهداف الجبهة القومية للوطنية المغربية

الميثاق الوطني أهداف الجبهة القومية للوطنية المغربية

بسم الله الرحمن الرحيم

بمناسبة الظروف التاريخية الحاضرة التي يمر بها المغرب، اجتمع الوطنيون العاملون لخدمة القضية المغربية المقدسة، المسؤولون عنها أمام الرأي العام المغربي من قادة حزب الإصلاح الوطني وحركة الوحدة المغربية، بعاصمة تطوان في يوم عرفة 9 ذي الحجة الحرام 1361، وتعاهدوا فيما بينهم عهدا إسلاميا وطنيا أمام الله والوطن والتاريخ على خدمة الميثاق الآتي:

أولا: تأليف جبهة مغربية إسلامية عامة جامعة لكافة عناصر الوطنية العاملة واعتبار حزب الإصلاح الوطني وحركة الوحدة المغربية داخلين في هذه الجبهة منذ إعلان هذا الميثاق.

ثانيا: تكون هذه الجبهة القومية عبارة عن اتحاد متين وتضامن قوي ورابطة مقدسة جديدة بين المندمجين فيها والعاملين تحت لوائها، ولا سيما الهيئات الوطنية بالمغرب.

ثالثا: السعي لإقامة نظام إداري وسياسي جديد في المغرب يضمن حقوق المواطنين المغاربة، ويصون حرياتهم في جميع أطراف المملكة المغربية بدوا وحضرا، ويمهد لهم الوصول في أقرب وقت ممكن إلى حياة حرة مستقلة بكل معاني الكلمة، وذلك بدلا من النظام الحالي المفروض الذي لا يتلاءم مطلقا مع الأماني الوطنية في شيء، واعتبار المطالب المعنونة: “بمطالب الشعب المغربي” حدا أدنى يمكن أن يكون تمهيدا أساسيا لإقامة النظام السياسي المرغوب فيه، بشرط أن كل ما يناقض من تلك المطالب مبادئ هذا الميثاق لفظا أو معنى صراحة أو ضمنا يعتبر لاغيا وساقطا من برامج العمل الوطني الجديد.

رابعا: اتخاذ كل الوسائل ليتمتع المواطنون المغاربة المسلمون داخل مغربهم العزيز بكافة الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها رعايا حكومة وطنية ملكية إسلامية قائمة على أساس العدل والمساواة والاتحاد المطلق بين العرش والشعب تحت ظل العائلة العلوية المالكة، وبذل كل ما في الاستطاعة لصيانة مصالح “الإسرائيليين” والأجانب بنفس الطرق والوسائل التي اعتادت الأمم الراقية أن تصون بها تلك المصالح، وعلى أساس التشريعات الحديثة الموضوعة لذلك في الدول الحرة المستقلة، مع التزام الرعايا المغاربة مسلمين و”إسرائيليين” والرعايا الأجانب أيضا بأداء كافة الواجبات التي اعتادت الدول المتحضرة أن تلزم بها رعاياها أو الأجانب المقيمين في بلادها.

خامسا: العمل على استرجاع وحدة التراب المغربي الكاملة في أقرب وقت ممكن، إداريا وسياسيا وقضائيا واقتصاديا وماليا، وبذل كل الجهود لاستعادة السيادة الداخلية والسيادة الخارجية التي أجبر العرش المغربي والشعب المغربي على التخلي عنها كلا أو جزء لصالح المطامع الأجنبية المفروضة.

سادسا: المحاربة بكل الوسائل لجميع المحاولات الاستعمارية الرامية إلى إجبار المملكة المغربية على الارتباط كلا أو جزء بإمبراطوريات استعمارية أجنبية وراء البحار من أي نوع كانت وإلى أية دولة انتسبت.

ومقاومة جميع الدعايات المغرضة الرامية إلى تضليل الشعوب والدول والحكومات المسؤولة، وإيقاعها في الغلط وسوء الفهم، بادعاء أن المغرب لم يكن وليست له شخصية مستقلة لا جغرافيا ولا سياسيا، لا تاريخيا ولا اقتصاديا، لا وطنيا ولا دوليا، وبذل كل ما في الوسع لإقامة البراهين الساطعة والدلائل القاطعة على فساد هذه النظرية الاستعمارية المزورة، وتذكير العالم أجمع بشخصية المغرب المحدودة المستقلة الخالدة دائما وأبدا خلال الأجيال والقرون إلى الآن وحتى الآن وفيما بعد الآن.

سابعا: السعي لإقناع العالم المتحضر أن المغرب يلزم أن يبقى كما يقتضي العدل والحق والقانون وطنا طبيعيا ومتسعا حيويا لأهله الشرعيين الذين هم أحق الناس بالانتفاع به والارتفاق بمرافقه، ولا يمنع ذلك من أن تكون للمغرب علاقات منتظمة مع كل الأمم التي تقتضي مصلحتها ومصلحة المغرب، الارتباط فيما بينهما ببعض العلاقات، لكن يلزم أن تحدد تلك العلاقات ومداها بمعاهدات واتفاقات على أساس الحرية الكاملة وعلى قدم التساوي بين الطرفين حسبما كان العمل جاريا به في عهود ملوك المغرب المستقلين.

ثامنا: رفض كل حل دولي جديد للمشكلة المغربية متى كان على أساس الحماية أو الوصاية أو الانتداب المفروض أو على أساس تقسيم المغرب وتمزيق الوحدة المغربية المقدسة.

تاسعا: رفض كل اتفاق دولي يكون على أساس التنازل عن بعض أجزاء المغرب كيفما كانت أهمية ذلك الجزء، وعدم قبول المساومة في أية قطعة من الشاطئ المغربي سواء في ذلك شاطئ البحر الأبيض المتوسط أو شاطئ المحيط الأطلسي.

عاشرا: استعمال كل نفوذ ونشاط لحل القضية المغربية حلا مرضيا لمطامح المغرب وأماني المغاربة الأحرار، وذلك عن طريق الاتصال الوطني المشروع بجميع الأوساط الدولية التي يمكن أن يكون لها أثر قريب أو بعيد في حل تلك القضية القومية الكبرى، حيث إنها كانت ولم تزل مرتبطة بتطورات السياسة الدولية العالمية، غير أن كل اتصال من هذا النوع المتعلق بحل القضية المغربية لن يكون مقبولا من جانب الوطنية المغربية إلا إذا قام على أساس بنود الميثاق.

حادي عشر: محاربة كل محاولة للمساس بالعقائد والشعائر الإسلامية بين المسلمين المغاربة لحساب عقائد وشعائر أخرى أو لصالح بعض المذاهب الهدامة المتطرفة، سواء كانت تلك المحاولة من الداخل أو الخارج، ومقاومة كل الدعايات المعادية التي تحاول النيل من مركز الإسلام والثقافة الإسلامية واللغة العربية في المغرب المسلم العربي، سواء أكانت تلك الدعايات سرية أو علنية.

ثاني عشر: محاربة كل من يحاول الخروج على صفوف الأمة تحت ستار الدين أو السياسة أو العنصرية حضرية كانت أو بدوية، ومقاومة كل من يرضى بحل القضية المغربية حلا لا يتفق مع بنود هذا الميثاق، وتعقب نشاط العنصر العاق للوطن الذي لا يزال يخدم المصالح الأجنبية أو الشخصية على حساب المصلحة المغربية العامة، حتى يكشف للرأي العام ويعامله الجمهور المغربي بما هو أهل له من النبذ والاحتقار والمقاطعة والطرد من جماعة المسلمين.

ثالث عشر: تكوين مالية مغربية قوية لتحقيق أهداف هذا الميثاق في الداخل والخارج.

رابع عشر: اعتبار جريدة الريف والوحدة المغربية والحرية ألسنة حال لخدمة هذا الميثاق والدفاع عن خطته الوطنية، ولا ينشر في أية واحدة من هذه الصحف أي شيء يتصل بالخطة الوطنية العاملة المستمدة من هذا الميثاق دون أن يكون متفقا عليه، مع إعطاء حرية التعبير فيما عدا ذلك عن رأيها الخاص.

خامس عشر: جميع المسؤوليات والتضحيات المادية والأدبية الناجمة عن خدمة هذا الميثاق والناشئة عن تنفيذ خطته الموضوعة للداخل والخارج تكون كلها على عاتق حزب الإصلاح الوطني وحركة الوحدة المغربية، وعاتق من يعمل على خدمة هذا الميثاق ممن ليسوا منتمين إلى الهيأتين المذكورتين.

سادس عشر: تأليف لجنة ربط بين حزب الإصلاح الوطني وحركة الوحدة المغربية لتنسيق مجهودات الهيأتين وتوجيه نشاطهما وفقا لبنود هذا الميثاق.

سابع عشر: حيث إن المغرب كل لا يتجزأ وحيث إن القضية المغربية جوهر لا يقبل الانقسام يكون العمل بهذا الميثاق منسحبا على جميع أطراف التراب المغربي بما فيه من مناطق حالية فرضتها الظروف.

ثامن عشر: هذا الميثاق يجري العمل به طيلة المدة التي يظل فيها ملائما للمصلحة الوطنية العليا ومسايرا لرغبة الشعب المغربي الكريم، فإذا نشأت ظروف استثنائية غير منتظرة، جدد قادة الوطنية النظر في أمره، وقرروا ما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد حسب الظروف الطارئة، وأثناء المدة التي يستمر فيها العمل جاريا بهذا الميثاق تكون جميع الاتصالات التي تقوم بها الجبهة القومية وبالاشتراك التام في المسؤولية والتوجيه بين المتعاهدين عليه، ولا سيما حزب الإصلاح الوطني وحركة الوحدة المغربية.

حرر بتطوان في التاسع من ذي الحجة الحرام سنة 1362هـ موافق 18 دجنبر 1942.

عن حزب الإصلاح الوطني: الرئيس عبد الخالق الطريس؛ الوكيل التهامي الوزاني.

عن حركة الوحدة المغربية: الرئيس محمد المكي الناصري؛ الوكيل عبد السلام التمسماني”.

الميثاق الوطني أهداف الجبهة القومية للوطنية المغربية

الأستاذ إدريس كرم
آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M