16 ماي (موت شهرزاد)

14 فبراير 2014 00:49
16 ماي (موت شهرزاد)

16 ماي (موت شهرزاد)

مصطفى الحسناوي (معتقل رأي)

هوية بريس – الخميس 13 فبراير 2014م

الليلة السادسة عشرة بعد المائة العاشرة

جلست شهرزاد في كامل زينتها، مرتدية أحدث ألبسة الموضة لأشهر الدور والمصممين. بدت أنوثتها صارخة ومتمردة وهي ترتدي فستانا من نوع اوبن باك دريس “Open back dress“، وتضع بروشا من الألماس لافتا إلى جانب مجموعة من الإكسسوارات الإكس إكس لارج، ومكياجا صارخا ومتمردا (maquillage métallique)، وحذاء بكعب جد عال من نوع (platform)، زادها رشاقة وتمردا.

في حين كان الملك غارقا في كومة من الملابس من قمصان وجلابيب وقفاطين وأردية، وقد أطل برأسه منها وأحاطت به عمامة ضخمة أشبه بعمائم السيخ، أصبح معها كقبة “الكابيتول”، ثم وضع فوقها تاج الملك وأمسك بالصولجان، فكان حقا أشبه بدمية خيال الظل بحركاته الثقيلة والبطيئة، وأشار لشهرزاد بالكلام.

قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن خلية إرهابية..

فقاطعها الملك قائلا: كفى حديثا عن خلاياك الإرهابية المملة، إن لم تأت بجديد فسأقتلك.

أجابت شهرزاد بثقة كبيرة: مهلا يا مولاي فإن القصة مشوقة، ذلك أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان صحفي يعيش في بلاد استشرى فيها الفساد والاستبداد…

أووووووف ويحك يا جارية، ما هذه العجمة التي اعترتك، أفصحي ما معنى صحفي.

عفوك يا مولاي، إنه عين الرعية وأذنها ولسانها.

رد الملك: تبا له سائر النهار، هو من الأعداء إذن.

تابعت شهرزاد: ثم إنه يا مولاي قرر إصلاح أحوال الرعية، بفضح الفساد ومحاربته بقلمه وصوته الخافت، فكان عدوا للظلم والظالمين، نصيرا للمظلومين والمقهورين..

قاطعها الملك: لاشك أنه كان يطلب الرياسة في قومه، ويسعى لمنازعة الأمر أهله، هه تابعي ثم ماذا كان من أمر هذا الخارجي المارق؟

قالت: ثم إن القلوب تعلقت به، فاستنصرته الضعفاء، واجتمعت عليه كلمة الخصوم والفرقاء. فرأى سلطان زمانه أن يستميله ويقربه ويتخذه من خاصته، ويجعله عينه وأذنه ولسانه على رعيته. فدعاه ذات يوم إلى قصره في احتفال بهيج، نصبت فيه الأعلام والبيارق، ومدت البسط والنمارق، ورقصت القيان، وعزفت الجواري أعذب الألحان، في أضخم مهرجان، للإيقاعات والموازين والفنانات والفنانين.

وبعد أكل وشرب وضحك ومسامرة، نادى الملك شهريار على الخزندار، فأتى محملا بصناديق الذهب والياقوت والزمرد والزبرجد و”البلاكي أور”، والقز والحرير ومليفة والسوسدي والكاشمير، والألباغا والفيل أ فيل، والبوديات وسراويل سليم، عطور وساعات وهواتف ذكية وحواسيب محمولة وكاميرات متطورة وأصناف الأنواع والماركات. من “ليفيس” و”الديكاطلون” و”كارلوس مويا” و”شانيل” و”سواتش” و”كانون”.

ثم إنه وضعها بين يدي الصحفي قائلا: لك كل هذا وأضعافه، على أن تأجرني عشر حجج، فإن أردت البقاء والمقام عندي إلى الأبد فمن عندك. وإني مزوجك إحدى ابنتي، ومغدق عليك من الأموال ما يرفعك لعليين، ألم تسمع لقول الشاعر:

إن الدراهم في المواطن كلها — تكسو الرجال مهابة وجلالا

فهي اللسان لمن أراد فصاحة — وهي السلاح لمن أراد قتالا

ثم إن الصحفي يا مولاي ما ترك بابا للاعتذار إلا طرقه، ولا طريقا للتحايل إلا سلكه، وخرج من قصر السلطان دون أن يحمل معه شيئا من تلك الهدايا والرشاوى والأعطيات.

ثم إنه استمر في دعوته ورسالته ردحا من الزمن، والسلطان يرسل له الجند والرسل لاستمالته، وهو يجيبهم والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته.

فرأى السلطان أن يهدده بالسجن، فأرسل جلاوزته وجلاديه بكتاب فيه: “استسلم تسلم ولئن لم تفعل ما آمرك به ﻷجعلنك من المسجونين”.

فقوي إيمانه وازداد يقينه وكبر عناده وثارت حميته وأجابهم: “أخبروا ملككم أن السجن أحب إلي مما يدعوني إليه”.

ثم إن السلطان يا مولاي، جمع السحرة في ميقات معلوم وصعيد معلوم، ليطلعوه على سر هذا الصحفي، ويفتوه في أمره. فألقوا تقاريرهم وقصاصات جرائدهم وتحقيقاتهم ووشاياتهم وحبالهم وأحابيلهم وعصيهم وزراويطهم. فإذا هي سيناريو مثير أشبه بسيناريوهات أفلام الخيال السحري والأساطير، كالرجل العنكبوت والأفتار وشريك وحرب النجوم وسيد الخواتم وهاري بوتر و..

قاطعها الملك قائلا: تبا لك ما هذا الذي تقولين ما الذي أصاب لسانك هذا اليوم، لاشك أن جنيا تلبس بك.

حنانيك يا مولاي سنصل لخبر الجن فلا تعجل علي؛ ردت شهرزاد واسترسلت قائلة:

ثم إن كبير السحرة قال: أنا آتيك بخبر الصحفي أيها السلطان قبل أن تقوم من مقامك. وقال الذي عنده علاقة مع المخابرات أنا آتيك به قبل أن “ترمش”: إنها جنية يا مولاي، معتدلة القد موردة الخد بارزة النهد، عذبة الكلام مليحة الابتسام حسنة القوام، مقرونة الحاجبين، دعجاء العينين، رطبة الخدين، بيضاء البشرة، وشفاه رقيقة قانية الحمرة، أطرافها سبائك العقيان كأنها قضيب بان، فاقت في جمالها “مارلين مونرو” و”بريتني سبيرز” و”نيكول كيدمان”، و”باريس هيلتون” و”باميلا أندرسون” و”كيم كارداشيان”، بل فاقت فينوس ونيفرتيتي وكليوباترا وزنوبيا. لقد جمعت محاسن الإنس والجان.  ثم إنها تعلقت بذلك الصحفي وأحبته، وكلما زاد بها الحبّ والغرام والوجد والهيام، زارته وحملته على ظهرها لوطنها، وأرته القصور والحدائق، وجبال الياقوت الأحمر وتربة المسك الأذفر، وقالت له:

هذه مملكتك وأنا حبيبتك وجاريتك، وهبت لكم روحي عسى تقبلونها، فلي الوصل خلد والصدود جهنم، فيجيبها لا مملكة لي سوى وطني ولا هم لي سوى أمتي، فأرجعيني. فتبكي بكاء مرا وتعانقه ولا تزال تبكي حتى تسقط مغشيا عليها مدة من الزمن لا يدري ما يفعل معها، إلى أن تستفيق، ولايزال يستلطفها ويصبرها ويواسيها، إلى أن تحمله وتطير به راجعة وهي تغني:

وقد انحشى مني الحشا بهوى الرشا — يا ليته ما غاب عن أوطاننا

ثم إن الجنية أيها السلطان بعدما أعيتها الحيلة ولم تنفعها مع الصحفي أية وسيلة، رأت أن تستميله بأحب الأمور إليه، فأمدته بالأخبار سائر أوقات الليل والنهار، وبكل أنواع أسلحة الدمار وبجيش من الجن جرار، فكون عصابة غير مرئية تهدد أمن مملكتنا الشريفة العلية.

ثم إنه بعد ذلك تزوج بالجنية وأصبح آمرا ناهيا في دولته، وهذا سر قوته ونفاذ كلمته، وإننا إن لم نعتقله لزاد ضرره وعظم أمره واستفحل خطره. والرأي أن نعلن أنه زعيم عصابة تسعى إلى الخراب وزرع الدمار ونشر الإرهاب، والأمر لك يا مولاي فانظر ماذا ترى.

قالت شهرزاد: ثم إن الأصوات يا مولاي تعالت صائحة “أخرجوه من قريتكم“، وأخرى: “لنحرقنه أو لننسفنه في اليم نسفا“. وتفرقت الأقوال بين داع لقتله وداع لحرقه أو إغراقه أو إخراجه. واستقر رأي السلطان على سجنه بتهمة تكوين خلية إرهابية وتزعم عصابة إجرامية غير مرئية و…

قاطعها الملك قائلا: يا لها من قصة رائعة، ويا لك من مؤلفة ماكرة.

وقبل أن يدرك شهرزاد الصباح، كانت جثة هامدة، وكان السحرة يذيعون في الصباح الباكر تفكيك خلية إرهابية، ذات صباح من صباحات أيار في مملكة شهريار.

وأصبح يوم مقتل شهرزاد عيدا من الأعياد، تكرر فيه بطولات تفكيك العصابات والخلايا، وتحكى وتعاد، واستمرت الحكايات رغم موت شهرزاد، واستمرت الخلايا في ازدياد، وخوّف شهريار العباد، وأحكم سيطرته على البلاد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M