الحكومة وإمارة المؤمنين و«الشذوذ الجنسي».. أية علاقة؟

17 مايو 2014 12:38
الحكومة وإمارة المؤمنين و«الشذوذ الجنسي».. أية علاقة؟

الحكومة وإمارة المؤمنين و«الشذوذ الجنسي».. أية علاقة؟

ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)

هوية بريس – السبت 17 ماي 2014

أثارت النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، موضوع اللواطيين والسحاقيات بالمغرب، ضمن سؤال لها في البرلمان، عرضت فيه خطورة ظهور خطاب يشجع على «الشذوذ الجنسي» أي اللواط والسحاق، منبهة إلى أن «المثليين بالمغرب باتت لهم مواقع إلكترونية، وصاروا يخرجون إلى العلن، ويروجون لخطابهم بكل حرية في مجتمع مغربي مسلم»، مؤكدة أن هذا الوضع يهدد الثوابت المغربية. 

فتصدى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للإجابة عنها، ومما جاء في جوابه ويا ليته سكت: «إن الأمور -يقصد التعاطي مع موضوع اللواط والسحاق- تدبر أساسا بالحكمة والموعظة الحسنة»، مستدلا بالآية القرآنية الكريمة {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، قبل أن يشدد على أن إمارة المؤمنين تحمي الملة والدين.

جاءت خرجة وزير الشؤون الإسلامية هذه يوم الثلاثاء المنصرم أي بعد 24 ساعة من إطلاق وزارة الصحة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وفيروس نقص المناعة البشري السيدا وذلك تحت شعار «حياة كريمة بدون وصم ولا تمييز»، بدعم من برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة السيدا.

هذه الاستراتيجية بدأ تدشينها بتوقيع اتفاقية بين وزارة الصحة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، صباح يوم الإثنين المنصرم، بمقر المجلس بالرباط، تنص على تخفيف التمييز والمحافظة على حقوق الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالسيدا، وتضم هذه الفئات أساسا، «العاملات في الجنس والمثليين، إلى جانب المتعاطين للمخدرات التي تُؤخذ عبر الحقن».

ولتوضيح الغاية من هذه الاتفاقية صرح أحمد الدريدي المنسق العام لفروع الجمعية المغربية لمحاربة السيدا: «أن المقاربة الحقوقية الهادفة إلى رفع التمييز عن تلك الفئات، كفيلة بتقوية الجهود الرامية إلى احتواء هذا المرض الخطير (أي السيدا)، مشيراً إلى أن التمييز يؤدي إلى الوصم، وبالتالي المنع من الوقاية والعلاج، فعاملات الجنس والمثليون لا يتمكنون من إجراء التحاليل، وبالتالي لا يدخلون منظومة الوقاية». أخبار اليوم.

أكيد أن خطر مرض السيدا يهدد الشباب المغربي والأسرة المغربية، وتكلف محاربتُه الدولةَ والمهتمين مجهودات جبارة  وميزانيات هامة، ومن غير المعقول أن ننفي وجاهة الرأي القائل بضرورة توعية وتحسيس من ابتلوا بموبقة الدعارة والزنا واللواط وحقن المخدرات، بخطورة وباء الزنا وسبل الوقاية منه، خصوصا وأن الزنا واللواط والمخدرات من أهم عوامل انتشار هذا الوباء.

لكن من غير المعقول أن تتم هاته التوعية، وتبرم مثل هاته الاتفاقيات بشكل يفكك الظاهرة/المعضلة، ويعالجها بطريقة جزئية تحافظ على استمرار الأسباب الجوهرية وتروم فقط رفع الوصم والتمييز ضد من يساهم في نشر الوباء للحد من انتشاره، الأمر الذي يجعل الإجراءات والتدابير المتخذة بمثابة اعتراف شبه كامل من الدولة ومؤسساتها بالظواهر والسلوكيات المنافية للشريعة والدين والقانون، وعلى رأسها خصوصا، الدعارة وحرية الزنا واللواط والسحاق.

فاتخاذ تدابير واتفاقيات ترفع الوصم والتمييز ضد الزواني والداعرات واللواطيين والسحاقيات، بدعوى أن التضييق عليهم يمنعهم من إجراء الفحوصات الطبية واتخاذ سبل الوقاية من السيدا، هو تنفيذ جزئي ماكر لرؤية علمانية لا تهتم بالدين ولا الأخلاق الإسلامية في تصريف الشهوة الجنسية، وهو حسم سلطوي متحيز وتحكمي بالغ الخطورة للصراع حول ملفات الحرية الجنسية واللواط والسحاق، والتي عرفت دائما ولا تزال تعرف سجالا كبيرا وصراعا محتدما بين الإسلاميين والعلماء والدعاة ومعهم باقي عموم الشعب المغربي، وبين العلمانيين واللادينيين ومعهم بعض المنظمات الحقوقية اليسارية والأحزاب العلمانية كالاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية الذي يعتبر الوزير الوردي الموقع على الاتفاقية أحد رموزه.

هذه الاتفاقية كان يجب أن تندرج ضمن استراتيجية حكومية مندمجة وشمولية، حتى لا تستغل من طرف المنظمات والأحزاب العلمانية في المزيد من عمليات التفكيك الممنهج لمنظومة القيم والأخلاق المغربية، المؤسسة منذ قرون على قواعد الدين والشريعة الإسلامية التي تعتبر أهم الثوابت المغربية ومسوغ وجود الدولة.

فمن خلال استقراء الأخبار وتتبع مختلف المداخلات، نستخلص أن ملف هذه الاتفاقية قد أثار عدة مواضيع أهمها:

أولا: – الارتباك في تدبير الشأن الحكومي، وتجلى في فرض وزير الصحة التقدمي لإيديولوجيا حزبه في تدبير ملفات لها حساسية مفرطة مثل «الشذوذ الجنسي» والدعارة، مما يضع حزب العدالة والتنمية في المحك ويشدد عليه الحرج، إذ يعطي هذا الحدثُ إشارة قوية للمغاربة أن الوردي يستكمل تنفيذ مطالب حزبه المضمنة سابقا في خطة السعدي لإدماج المرأة في التنمية، وإعطائها الحرية في جسدها، خصوصا وأن الاتفاقية أبرمت مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان الأمر الذي يعطي هذه الإجراءات المتعلقة بالشذوذ بُعدا حقوقيا، ينبئ ببداية سلسلة من الإجراءات والقوانين تمهد لتلبية مطالب اللواطيين والسحاقيات المغاربة. 

ثم ألا يعتبر من قبيل “الحگرة” والاستضعاف لحزب الإسلاميين والاحتقار لكل الفاعلين السياسيين من طرف اليساريين العلمانيين، القبولُ الصريح  والرسمي بمصطلحات ذات حمولة مخالفة للشريعة الإسلامية ومنطوق القانون تضفي الشرعية على موبقات وجرائم عظيمة؟

فإقرارُ تسميات مستوردة من قواميس الدول العلمانية الغربية التي قننت ما يعتبر شرعا وقانونا -عندنا نحن المسلمين- من الموبقات والجرائم، كالمثلية للتعبير عن اللواط والسحاق، والعاملات في الجنس للتعبير عن الداعرات يعتبر خطوة رسمية مهمة نحو مراجعة القوانين الجنائية لتستجيب لمطالب العلمانيين بإلغاء الفصول القانونية التي تجرم ممارسة الدعارة والزنا بالتراضي وتعاقب على ممارسة الجنس بين طرفين من نفس الجنس.

أليس من قبيل الخيانة للشعب المغربي أن يتم السماح بإقرار ولو ضمني للواط والسحاق والدعارة وتضمينها اتفاقية رسمية، خصوصا في غياب استراتيجية وطنية مندمجة وشمولية لتدبير ملف الشذوذ الجنسي والزنا والدعارة، تأخذ بعين الاعتبار توضيح موقف الدولة بجلاء، من مطالب العلمانيين بإقرار حقوق «الشواذ» وإباحة الحرية الجنسية وتقنين الدعارة؟

ألا يعتبر هذا تطورا خطيرا في حكومة نصف ملتحية؟

ثانيا: – دور إمارة المؤمنين في حماية الثوابت المغربية،

ودور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تنزيل هذه الحماية.

لقد بدا وزير الأوقاف ضعيفا في الرد على سؤال النائبة البرلمانية، وربما أحس هو نفسه بضعفه، لهذا استدعى كعادته إمارة المؤمنين ليستقوي بها، وليُسكت النائبة البرلمانية ويرهبها، ويذكر بنكيران وحزبه أن لا فائدة من الاستناد على الملة والدين في مواجهة التقدميين العلمانيين، لأن الدين والملة حمايتهما بيد أمير المؤمنين.

ربما كان السيد الوزير يحتاج لمن يُفهِمه أن الزج بإمارة المؤمنين في موضوع اللواط والسحاق، لا يخدمها بل يضعفها ويحرجها، لأن السيد الوزير معلوم عند كل المتتبعين أنه لا يستقوي بإمارة المؤمنين إلا في مواجهة الإسلاميين والدعاة والخطباء والعلماء لترهيبهم، في حين يطالب بالتعامل مع الشواذ بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ويتودد للعلمانيين حتى أسموه مرة في جرائدهم «مارتن لوثر» المغرب. 

ألم يستوعب السيد الوزير أن المواثيق الدولية تعطي للشواذ كامل الحق في ممارسة شذوذهم، بل تفرض على الدول أن توفر لهم الحماية وتمكنهم من حقوقهم في الزواج والاحتفال العلني بشذوذهم؟

وأن سيادته لما ذكر إمارة المؤمنين في موضوع الشذوذ، وذكر واجب حمايتها للثوابت ومنها الملة والدين، يضع أمير المؤمنين وإمارة المؤمنين كمؤسسة دستورية، بموقفه هذا في حرج عظيم لا يرفعه عنه إلا استصدار فتوى من المجلس العلمي الأعلى تجرم وتحرم اللواط والسحاق، وتبين الحكم فيمن يستحل اقترافهما ويدافع عن مرتكبيهما، إعمالا لأحكام المذهب المالكي، وحسما للمزايدات السياسية، وقياما بواجب حماية الملة والدين والثوابت الوطنية، وإعمالا للدستور الذي جعل الفتوى في النوازل حكرا على المجلس الأعلى للإفتاء الذي يرأسه أمير المؤمنين، والمخول الوحيد دستوريا لحق إحالة الفتوى على المجلس.

فالفصل41 من الدستور ينص على أن: «الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.

يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.

ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة».

كان على السيد الوزير بدل الاستهتار بعقول المغاربة واستغلال هيبة إمارة المؤمنين في قضية خطيرة تهدد أمن أسرهم وأولادهم، أن يعلن عن عزمه تقديم خطة وطنية تشترك فيها وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة التعليم ووزارة الصحة ووزارة الأسرة ووزارة المالية ووزارة الداخلية ومصالح الأمن والمجالس العلمية والتيارات الإسلامية والقطب الإعلامي الرسمي، خطة تحمي أبناء المغاربة من خطر اللواط والسحاق الذين يحاول العلمانيون إقرارهما وتقنينهما، استنادا على المرجعية الدولية التي أقر الدستور بسموها على باقي المرجعيات، بدل أن يكتفي بالدفع بعبارة «إمارة المؤمنين» في وجه ممثلة للشعب المغربي شئنا أم أبينا.

لكن ربما كان السيد الوزير يخشى أن يسحب منه أصدقاؤه العلمانيون وصفهم له بالوزير الحداثي التقدمي، إذا ما قام بتفعيل ما تمليه عليه واجبات حماية الدين والحفاظ على الأسرة، فإذا كان كذلك، فلا أقل من أن يعفي المغاربة من هذا الأسلوب المستهجن في التعاطي مع همومهم وانشغالاتهم، وألا يكون عونا وسندا للتطرف العلماني الذي لا يفوت فرصة إلا واستغلها لإضعاف الثوابت الدينية للمغاربة. 

وغير خاف على وزير شؤون المغاربة الإسلامية أن ملف «الشواذ» في المغرب مدعوم من طرف المنظمات الدولية، وأغلب المنظمات الحقوقية المغربية، وأن الدول الغربية تدعم مطالبهم عبر منظماتها، وتعتبر أن  الاعتراف بحقوقهم مظهر من مظاهر الحداثة بمفهومها الغربي، ومؤشر لقياس مدى «ديمقراطية» النظم التي تدعي تبني القيم «الديمقراطية»، وأن الشواذ في العالم وفي كل الدول الغربية، لهم من النفوذ ما يجعل الرئيس في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية يقبِّل أعتاب جمعياتهم حتى يحظى بالأمان من شرهم ويكسب تأييدهم.

لذا ونظرا لخطورة الموضوع على الشباب المغربي والأسرة المغربية وإمارة المؤمنين،  فإننا نعتقد أن وزير الأوقاف مطالب بتحريك كل قواه وكل ما تحت نفوذه من مؤسسات وأموال للذب عن أُسَر المغاربة وأبنائهم وتفعيل حماية إمارة المؤمنين للثوابت والدين، وذلك بالعمل على استصدار فتوى من المجلس العلمي الأعلى تحرم وتجرم صراحة ممارسة اللواط والسحاق والزنا والسكن تحت سقف واحد بدون عقد زواج شرعي، كما تجرم وتحرم الدعوة إلى ذلك والحث عليه،  وأن لا يكتفي بحراسة ذلك البرزخ الذي وضعه بين الديني والسياسي، فالسفينة كلها في خطر سواء في ذلك القائد والراكب.    

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M