معركة الرموز: بين سيّد قطب و«تشي غيفارا»

03 نوفمبر 2014 16:13
معركة الرموز: بين سيّد قطب و«تشي غيفارا»

معركة الرموز: بين سيّد قطب و«تشي غيفارا»

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الإثنين 03 نونبر 2014

ـ سيد قطب كاتب وأديب ومنظر إسلامي ثائر، مفكّر عالمي وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، ورئيس سابق لنشر الدعوة في الجماعة..

ـ تشي غيفارا ثوري ماركسي كوبي، كاتب وزعيم حرب العصابات، وقائد عسكري ورجل دولة عالمي..

ـ مثل سيّد رمزا من رموز الجهاد الإسلامي، بوقوفه في وجه الفساد والاستبداد موقفا صلبا لا يتزحزح رغم التعذيب والاعتقال الذي خضع لهما في حكم عبد الناصر..

ـ مثل “تشي” رمزا من رموز النضال الماركسي، بوقوفه إلى جانب المزارعين الفقراء، في وجه الإمبريالية الجشعة والرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد، وانضمّ مبكرا إلى الثورة الكوبية..

ـ من خلال مؤلفاته العديدة والعميقة، يعدّ سيّد “رجل الأمّة” الذي كان يضع المشاريع الفكرية للنهضة والثورة على الظلم من خلال بناء الإنسان على أسس التوحيد..

ـ من خلال وضعه مشاريع الثورة الزراعية والاقتصادية والعسكرية، بعد توليه عددا من المسؤوليات الحكومية، يعدّ تشي “رجل الدولة” الذي ساهم في بنائها بعد انتصار الثورة الكوبية..

فروق بين المنهجين:

ـ بعد رحلة  تأمل ومتابعة للأحداث، وصل غيفارا إلى استنتاج بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، ولكنها كيان واحد يتطلب استراتيجية تحرير على نطاق القارة.

ـ تابع “تشي” عملية تدخل الولايات المتحدة في ولاية “غواتيمالا” للإطاحة بنظام أربينز المنتخب ديمقراطيا، الذي سن برنامجا كبيرا لإصلاح الأراضي، حيث كان من المقرر أن يتم مصادرة جميع أجزاء الأراضي غير المستزرعة ذات الحيازات الكبيرة وإعادة توزيعها على الفلاحين المعدمين..

ـ استقرّ في ذهن غيفارا أن الولايات المتحدة هي القوة الاستعمارية الامبريالية التي من شأنها أن تعارض وتحاول تدمير أي حكومة تسعى لمعالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية المستوطنة في أمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان النامية.

ـ كان غيفارا على اقتناع بأن تحقيق الماركسية لا يتم إلا من خلال الكفاح المسلح الذي يدافع عنه الشعب المسلح والطريق الوحيد لتصحيح مثل هذه الظروف .

ـ بعد انخراط غيفارا في الثورة الكوبية إلى جانب “كاسترو”.. أقام مصانع لتصنيع القنابل اليدوية، وقام ببناء أفران للخبز، ونظم المدارس لتعليم الأميين من الفقراء والفلاحين، وأنشأ العيادات الطبية..

ـ في حين كانت لسيد قطب رؤية مختلفة، تعتمد منهج التربية وتثبيت أركان العقيدة في النفوس، لأن الإسلام يهتم بالتغيير العميق للنفس قبل الانخراط في تحقيق العدالة الاجتماعية.

يقول بهذا الصدد في مقدمة تفسيره لسورة الأنعام:

(وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين، والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعاً للثروة والعدالة..

قلة قليلة تملك المال والتجارة، وتتعامل بالربا فتتضاعف تجارتها ومالها؛ وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع. والذين يملكون الثروة يملكون معها الشرف والمكانة، وجماهير كثيرة ضائعة من المال والمجد جميعا..ً

ـ وربما قيل: إنه كان في استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يرفعها راية اجتماعية، وأن يثيرها حرباً على طبقة الأشراف، وأن يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع، ورد أموال الأغنياء على الفقراء..

ـ وربما قيل: أنه لو دعا يومها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة، لانقسم المجتمع العربي صفين: الكثرة الغالبة مع الدعوة الجديدة في وجه طغيان المال والشرف والجاه، والقلة القليلة مع هذه الموروثات، بدلاً من أن يقف المجتمع كله صفاً في وجه (لا اله إلا الله) التي لم يرتفع إلى أفقها في ذلك الحين إلا الأفذاذ من الناس..

ـ وربما قيل: أن محمداً صلى الله عليه وسلم، كان خليقاً بعد أن تستجيب له الكثرة، وتوليه قيادها، فيغلب بها القلة ويسلس له مقادها، أن يستخدم مكانه يومئذ وسلطانه في إقرار عقيدة التوحيد التي بعثه بها ربه، وفي تعبيد الناس لسلطان ربهم بعد أن عبَدهم لسلطانه البشري..

لكن الله -سبحانه- وهو العليم الحكيم، لم يوجهه هذا التوجيه..

لقد كان الله سبحانه يعلم أن هذا ليس هو الطريق..

ـ كان يعلم أن العدالة الاجتماعية لابد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل، يرد الأمر كله لله، ويقبل عن رضى وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة التوزيع، ومن تكافل الجميع، ويستقر معه في قلب الآخذ والمأخوذ منه سواء أنه ينفذ نظاماً شرعه الله، ويرجوا على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء..

فلا تمتلئ قلوب بالطمع ولا تمتلئ قلوب بالحقد، ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا وبالتخويف والإرهاب! ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح، كما يقع في الأوضاع التي تقوم على غير (لا اله إلا الله).

ـ فلما تقررت العقيدة، وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة.. لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده.. لما تحرر الناس من سلطان العبيد ومن سلطان الشهوات سواء.. لما تقررت في القلوب (لا اله إلا الله).. صنع الله بها وبأهلها كل شيء مما يقترحه المقترحون..

ـ تطهرت الأرض من (الرومان والفرس).. لا ليتقرر فيها سلطان (العرب)؛ ولكن ليتقرر فيها سلطان الله، لقد تطهرت من سلطان الطاغوت: رومانيا وفارسيا وعربيا على السواء..

ـ ليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي، إلى طاغوت عربي.. فالطاغوت كله طاغوت! الناس عبيد لله وحده، ولا يكونون عبيداً لله إلا أن ترتفع راية (لا إله إلا الله)..

وهذا هو الطريق..

ـ تطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي بجملته..

وقام النظام الإسلامي يرفع راية العدالة الاجتماعية باسم الله وحده..

ـ وتطهرت النفوس والأخلاق، وزكت القلوب والأرواح، دون أن يحتاج الأمر حتى للحدود والتعازير التي شرعها الله -إلا في الندرة النادرة- لأن الرقابة قامت هناك في الضمائر، ولأن الطمع في رضا الله وثوابه، والحياة والخوف من غضبه وعقابه، قد قاما مقام الرقابة ومكان العقوبات..

ـ وارتفعت البشرية في نظامها، وفي أخلاقها، وفي حياتها كلها، إلى القمة السامقة التي لم ترتفع إليها من قبل قط، والتي لم ترتفع إليها من بعد إلا في ظل الإسلام..

ـ لقد تم هذا كله، لأن الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام وشرائع وأحكام، كانوا قد أقاموا هذا الدين من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم، في صورة عقيدة وخلق وعبادة وسلوك..

ـ وما كان هذا المنهج المبارك ليخلص لله، لو أن الدعوة بدأت خطواتها الأولى دعوة قومية، أو دعوة اجتماعية، أو دعوة أخلاقية.. أو رفعت أي شعار بجانب شعارها الواحد: (لا اله إلا الله).. اهـ من تفسير الظلال بتصرف يسير.

إسقاط الرموز:

ـ أعدم سيّد قطب سنة 1966م، بسبب أفكاره الجذرية ومواقفه الصلبة تجاه حكام مصر..

ـ أعدم “تشي غيفارا” سنة 1967م، لأنه أحد مهندسي حرب العصابات في العصر الحديث، وكان يسعى لتصدير الثورة إلى بلدان أمريكا اللاتينية وعامّة دول العالم الثالث.

ـ في الربيع العربي، وفي كل التظاهرات، ترفع عندنا صور “تشي جيفارا”، باعتباره رمزا من رموز النضال الثوري..

في حين يتمّ إعدام فكر سيّد قطب، والتشويش على صورته بزعم أنه أحد منظري الفكر الجهادي السلفي..

ـ الهدف الحقيقي: إسقاط رموزك التي تضرب بجذورها في عمق وعيك وتاريخك وثقافتك، واستبدالها برموز لا يمكن استنباتها في أرضك ووعيك لأنها تبقى أجنبية عنك غريبة عن أرضك غير مؤثرة في الوعي الجمعي (خصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي)..

ـ الذين يسعون اليوم جاهدين لحشر فكر الجماعات المتطرفة بفلسفة سيد قطب، هدفهم إسقاط الرموز التي يمكن استنباتها في وعيك كما قلنا..

ـ هنا تلتقي مصالح السلفية المدخلية (نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي) التي ترفع عقيرتها هذه الأيام محمّلة فكر سيد قطب، ومنهج الإخوان ما آلت إليه الأوضاع في الشام والعراق، تلتقي بمصالح الإمبريالية العالمية الاستعمارية التي رعتها وسقتها بالمال والإمكانيات الهائلة..

لكن هذه المصالح بلغت ذروتها باتهام بعض رموز التيار السلفي المدخلي لـ”حركة حماس” بأنها لا تعد العدّة لتحرير القدس، وإنما لغايات أخرى..

وهكذا يتم بناء منطقة “عازلة فكريا” مع غزّة تحضيرا لعزلها جغرافيا كما يفعل ساسة الانقلاب هذه الأيام..

ـ الإمبريالية التي حاربها “تشي”، هي نفسها التي حاربها سيّد؛ لكن بمنهجين مختلفين يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان إلا في هدف واحد من بين عدة أهداف: أعني هدف تحرير الأرض وتمليكها لأهلها..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M