الحداثة والصورة النمطية للإسلاميين في الإعلام المغربي

14 أبريل 2015 22:26
الحداثة والصورة النمطية للإسلاميين في الإعلام المغربي

الحداثة والصورة النمطية للإسلاميين في الإعلام المغربي

حاتم المغربي

هوية بريس – الثلاثاء 14 أبريل 2015

حقيقة الصراع

يهتم الفاعل العلماني في معركته مع بقايا الوحي على قلتها باستعمال كل الوسائل الممكنة والمتجددة واستعمال امكانيات ضخمة كما ونوعا. إذ يقرر كثير من المفكرين الغربيين المهتمين بتقديم دراسات نموذجية تنبني عليها السياسة الغربية أن آخر معاقل مقاومة الحداثة هو القلعة الإسلامية ويخصون بالذكر الإسلاميين؛ فهم يفرقون في دراساتهم بين من هو إسلامي ومسلم.

يقول الدكتور أحمد الريسوني: “مشكلة الغرب وتخوفاته إذا إنما هي مع الحركات الإسلامية الدعوية والسياسية، ومشكلته أحيانا مع الإسلام نفسه” (“فقه الثورة”، ص:103).

والغرب اليوم -خصوصا من يملك زمام الأمور فيه- لم يترك لنا خيارا فإما الدخول في الحداثة طوعا وإما كرها. بل من العجائب أن دخول كثير من الإسلاميين فيها والتماهي معها لفظا أو ممارسة لا يحدث اطمئنانا عند الغرب بل على العكس من ذلك يظل التوجس قائما.

لذلك كان من الضروري علينا تفكيك هذه الوسائل والعناية بتشخيصها لتكون خطوة أولى للتصدي لها وإبطال مفعولها أو على أقل تقدير التخفيف منها.

وإن أهم دوائر الصراع التي يتم التنازع حولها بشدة هو القاعدة الشعبية للجماعات الإسلامية التي تعتبر أحد أهم مقومات نجاحها وانتشارها، فالمسلمون اليوم لا ينفكون عن إبداء التعاطف والتأييد لهذه الجماعات بل أحيانا مع أعنفها وأشدها تطرفا. وفك الارتباط بين الشعوب المسلمة والإسلاميين يعد أحد أهم أهداف الحداثة لتحقيق الغزو من الداخل.

القوة الناعمة

في إطار التدافع الحاصل بدأت الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في فعالية القوة المادية العسكرية لفرض النموذج الغربي وإقامة نظم تضمن استمرار المصالح الأمريكية خاصة والغربية عامة. إذ أن هذه القوة ظلت قاصرة عن تحقيق أهدافها بل وأرهقت كاهل الميزانيات الدفاعية بشكل كبير.

فبرزت نظرية السيطرة الناعمة التي تستهدف ابتداءا التأثير على العقول وتوجيهها داخليا وخارجيا ولا شك أن هذه السياسة ناجحة داخليا وأبرز دليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية منيت في حروبها في الدول الإسلامية بخسائر أضعاف ما كان في فيتنام، لكن توجيه العقول والقوى الناعمة جعلت المواطن الأمريكي بارد ردة الفعل إلا قليلا وفتحت عينه على جانب واحد وهو خطر الآخر -الارهابي- على القيم الحداثية الأمريكية، بينما كانت توابيت الجنود الأمريكان قتلى هذه الحروب خارج التغطية محظورة العرض والتصوير.

وحتى النقد الموجه للسياسات الأمريكية داخليا لا يخرج عن الإطار المعد مسبقا فكل كوارث أمريكا واجرامها إنما يندرج في خانة الأخطاء الفردية والانفعالات الآنية لبعض الجنود مع الحرص على إبعاد التهمة عن الإدارة ومدى مسؤوليتها عن هذه الكوارث، بل إن التفكير في دوافع هذه الحروب أصالة وأسبابها لا يتم إلا في دوائر مغلقة يثيرها بعد الأفراد من حين لآخر دون أن تجد صداها في المجتمع الأمريكي.

ومن أغرب ما شاهدته منظر أولئك الأمريكيين الحداثيين المنطلقين الذين يسألهم المذيع عن رأيهم في الحرب التي ستشنها الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة الإرهابية الفلانية -ثم يذكر دولة صديقة لأمريكا بل تعد من أبرز حلفائها- فيجيب هؤلاء دون تردد نحن نؤيد سيادة الرئيس.

المشهد على بساطته يلخص تأثير الصورة والإعلام -أهم وسائل القوى الناعمة- في توجيه الرأي العام وقولبة الأفكار حتى تصير متماهية بدون أدنى تفكير أو تساؤل.

نفس هؤلاء المواطنين لن يستنكروا تعذيب هذا الإرهابي الذي يهدد أمنهم -بعدما رأوا في أفلامهم أن ذلك ضرورة ملحة وأنه قد يجنبهم إذاية بالغة- وحرياتهم كما أقنعتهم وسائل الإعلام ولن يتعاطف معه ولو قتل بأبشع الطرق بل ولو قتل المئات والآلاف ممن لا علاقة لهم بذلك في سبيل القضاء عليه -ينظر للأهمية كتاب “صورة الاسلاميين على الشاشة” لأحمد سالم-.

 الإعلام المغربي

وسائل الاعلام المغربية في معظمها لا تخرج عن هذا السياق العام حيث أن تناولها للإسلاميين لا يختلف عن نظيره في الغرب والدول الحداثية إلا في النوعية والطريقة. فبينما يحرص الإعلام الغربي على تنميط العربي عموما والإسلامي بشكل خاص تفعل وسائل الإعلام المحلية نفس الأمر وتتبعه حذو القدة بالقدة، ولو كانت طريقة التنميط المحلية تتم بشكل فج وساذج في أغلب الأحيان.

ويمكن إجمال الصورة النمطية للإسلاميين في الإعلام المغربي في ما يلي:

1- الإسلامي الجاهل

خطورة الاعلام ورسائله التوجيهية تتجلى في كونها مخاطبة للاوعي حيث تمرر الرسائل بشكل متكرر لتتراكم على شكل ربط مفاهيم ومعاني معينة بأشخاص معينين هذه العلاقة البينية تجعل العقل وبغير وعي يستحضر المعني الايجابي أو السلبي مباشرة بعد ذكر من ربط به والعكس ايضا حيث يتم استحضار المعاني والخرائط الذهنية التي شكلتها الرسائل المدسوسة للإعلام كلما ذكر الشخص.

وهذا ما يفعله الإعلام بالضبط عند تناوله لصورة الإسلامي حيث يتم ربطه بأوصاف لا تنفك عنه من أكثرها شيوعا كونه جاهلا بالعلوم الدنيوية ويقبع في الدرجات الدنيا للمعرفة والتحصيل العلمي. في إحدى الحلقات التي عرضها برنامج “مسرح الجريمة” حول بعض ما ينسب لمعتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية يظهر أمير الجماعة الذي لا يعرف من اللغة العربية إلا كلمة الفيء وهو يخاطب أحد أعضاء الخلية والذي سيعقد قرانه على امرأة، وهو يقول: “جوجتك إياها”، بدل: “زوجتك إياها”.

أول انطباع سيحصل للمشاهد أن هؤلاء جهال لا يفقهون شيئا لكن الخطير في المشهد هو تنميط هذا الأمر وتعميمه ليشمل السلفيين على وجه الخصوص ويتعداه إلى كل الإسلاميين بعد ذلك ففي نفس الحلقة يحرص المخرج على ربط الإرهابيين المفترضين بالمظهر السلفي المعروف بل ويتجاوز ذلك ليظهر أحدهم وهو يحمل مسبحة.

اللافت هنا هو أن معظم السلفيين لا يرون جواز استعمال المسبحة لكن الرسالة المراد إرسالها هي أنه هؤلاء الإسلاميين بشتى أصنافهم نمط واحد لا فرق بين توجهاتهم أو أفرادهم والإشكالية هنا أن رجل الشارع العادي غير مشغول البتة بالتصنيفات والتحليلات العميقة بل يكفيه منها التعميمات السطحية والاختزالية المطلقة، وهذا ما يحرص على تأكيده البرنامج المعروض لكن بربط الكل بمعان سلبية كالجهل.

والحقيقة أن تناول الإسلاميين بهذه الطريقة زيادة على كونه سقطة أخلاقية كبيرة يعد غير واقعي فإن نشأة كثير من التنظيمات العنيفة كانت على أيدي أفراد من ذوي التعليم العالي كجماعة الهجرة والتكفير والتدين عامة سواء السلفي أم غيره يملأ الجامعات والمدارس العليا للمهندسين ويكفي أن يعلم في هذا المقام أن كثيرا من الشخصيات الإسلامية الناشطة هم من حاملي الشهادات العليا ولو انطلقنا نضرب الامثلة للزمنا كراريس.

2- الاسلامي المنافق النفعي

 من أخطر ما يمكن أن تشاهده في خطة تنميط الإسلامي حلقة من سلسلة ساعة في الجحيم. حيث أن المخرج تعامل مع القضية بدهاء كبير متجاوزا التناول الساذج والمباشر الذي تعتمده جل باقي الوسائل الإعلامية واعتمد على الرمز والإشارة دون الإيضاح والتصريح.

في بداية الحلقة يظهر شاب ذو لحية خفيفة يضع فوق رأسه “طقية” بيضاء غامقة يقطن في غرفة سوداء مظلمة مبعثرة الأركان تشبه الزاوية لا يشاركه سكناه أحد. سمته الهدوء ويحرص أشد الحرص على قضاء حوائج جارته العجوز دون تردد لكنه سرعان ما ينقلب إلى شخص هستيري يحدث نفسه ويصرخ ببلاهة وعنف كلما اختلى بنفسه.

هذا الشاب الرمز يمثل هنا الحركات الإسلامية التي يراد تصويرها هنا وكأنها تعاني حالة انفصام مزمنة حيث تظهر للناس بمظهر الطهر والنقاوة والمثالية بينما هي في الحقيقة تخفي خلف وجهها الباسم المنفرج عنفا وأحقادا لا تنتهي، وغايتها الأساسية اختطاف المجتمع الذي سيرمز له بفتاة أراد هذا الشاب الزواج منها فاختطفها واحتجزها في غرفته مقيدة مكبلة.

يتدخل الصحافي الحداثي المنطلق ليحرر هذه الشابة -المجتمع- من براثن هذا الوحش لكن بطريقة الحوار والتلطف والإقناع، وبينما تسير الخطة على أحسن ما يرام يتدخل الشرطي -السلطة- لتفسد خطة الصحافي -الحداثة والعلمانية- لتكون النتيجة تراجيدية مؤسفة تنتهي بقتل الفتاة.

مشهد إلقاء القبض على الشاب ستكون ذروة الإشارة وزبدة التنميط حين تظهر الفتاة وهي في كرسي متحرك يدفعه الشاب هربا من الشرطة وقد ألبسها نقابا يخفي وجهها، هذا المشهد يختزل رؤية أخرى يراد إيصالها وهي علاقة الإسلامي بالمرأة التي لا تخرج عن الاحتجاز قهرا أو خنق حريتها وسلب روحها فلا ينظر إليها إلا نظرة الشهوانية والابتذال…

3- الإسلامي العنيف

ينشر أحد أشهر المواقع الإخبارية الإلكترونية خبرا بعنوان: “هجوم سلفي على معرض الكتاب بالجزائر”، القصة وما فيها أن المقال يتحدث عن الإقبال الكثيف للسلفيين على شراء الكتب من المعرض، والكاتب لم يجد عبارة أفضل من الهجوم.

الاختيار لا يبدو عبثيا خصوصا مع تكرار مثل ذلك كثيرا في الصحافة المقروءة فترى في ابتذال سخيف لا تقوم به حتى الصحافة الغربية محاولة الربط بين التدين وكل ما هو عنفي بدمج كلمات من قبيل: هجوم. حد. جلد. قطع يد. اغتصاب… بكلمات من قبيل سلفي. إمام مسجد. ملتحي… ليتم ربط هذه الحمولة السلبية العنفية بالتدين السلفي خاصة والإسلاميين عامة.

نفس هذه الصحف تعرض الجرائم المستشنعة والاعتداءات اليومية على صفاحتها دون أدنى إشارة لخصيصة عرقية أو أيديولوجية للفاعل فلن تجد في يوم من الأيام مثلا عنوانا مثل: (علماني متزوج يعقد على مناضلة علمانية سرا)، فالعناوين والمضامين الكيدية لا علاقة لها بممارسة باقي الفئات المجتمعية وإن اختلفت أعراقها وإن كان الدافع للعنف إيديولوجيا فلن يشار إليه كما وقع في حادثة مقتل الطالب الإسلامي في جامعة فاس على يد القاعديين العلمانيين.

وما يقع هنا مع الإسلاميين يقع عكسه في مثل ما ذكرنا، فبعد الحادثة وفي أول تغطية صحفية للقناة الأولى للحادث يصرح عميد الجامعة أن ما حصل كان نتيجة فوضى واشتباكات متبادلة دون الإشارة ولو بعبارة موهمة بالطبيعة المؤدلجة للجريمة، ولك أن تسرح بخيالك قليلا فتفرض رد الفعل الإعلامي العلماني لو أن ما وقع العكس وتم قتل طالب قاعدي على يد إسلاميين؟

ما الحل؟

إننا اليوم وإن كنا الحلقة الأضعف في الصراع القيمي المفروض علينا عنوة ولا نستطيع مضاهاة الآخرين ماديا، فإنه يمكن استدراك الفارق الفكري وتقليصه إلى أدنى مستوياته، ذلك أن زماننا يعرف ثورة معلوماتية ضخمة، وأصبحت المعارف في شتى المجالات في متناول الجميع ومصادر تلقي المعلومة متوفرة.

وفيما يخص موضوعنا فالكتب التي تتحدث عن صناعة الوعي والتلاعب بالعقول وبرمجتها بواسطة الصورة والإعلام تشكل مخزونا ضخما لفهم هذه الظاهرة فهما ثاقبا، هذا الفهم والاطلاع ليس مجرد ترف فكري بل ضرورة ملحة ووقوف على ثغر من ثغور الأمة الكثيرة التي لا زالت تشتاق إلى المرابطين أولي العزم والفهم وله وجهان أساسيان أولهما محاولة استعمال كثير من هذه الوسائل والاستفادة منها لنشر الحق وإبلاغ نور الوحي للناس وثانيهما التصدي لما يمارس علينا من برمجة وتنميط وتسطيح لعقولنا وتشويه لكل ما هو ديني؛ ولا ينبغي أبدا في هذا المقام جعل هذه المعرفية أكاديمية معقدة، بل ينبغي تبسيطها وإعادة صياغتها بما يوافق كل الطبقات المستهدفة حتى تصبح على وعي بما يحاك لها تمتلك حسا نقديا لما يعرض عليها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M