صلاح الوديع ومحمد العريفي… جولة من الصراع العلماني الإسلامي
ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)
هوية بريس – الجمعة 16 أكتوبر 2015
أصبح الدكتور العريفي عَلَمًا على قضية اختزلت جوانب عديدة من الصراع الاجتماعي والسياسي والديني بين العلمانيين والإسلاميين، إن لم نقل المسلمين، على اعتبار أن شرائح من المواطنين غير المنتسبين للتيارات الإسلامية أبدت امتعاضها وقلقها من النزعة العدائية والإقصائية التي استحوذت على مواقف الفصائل العلمانية، والتي أعطت الانطباع للعموم أن هناك تربصا حقيقيا بالإسلام في المغرب.
فقد أرعد العلمانيون وأزبدوا، في صفحاتهم سواء تلك المعلقة على حيطانهم «الفيسبوكية» أو تلك المضمنة في جرائدهم الورقية، أو الأخرى التي سطروا فيها بيانات جمعياتهم (بيت الحكمة) وحركاتهم (حركة ضمير)، ووصلت مشاعر الحقد والكراهية بهم إلى افتراء الكذب والبهتان في هذه البيانات والمقالات، الأمر الذي أبان عن حقيقة دعاوى ما فتئوا يرددونها بمناسبة وبغير مناسبة، من قبيل دعوتهم إلى الحرية ونبذ الحقد والكراهية والتعايش، والقبول بالاختلاف وحرية الضمير والاعتقاد.
حملتهم الحربية هذه استباحة كل شيء، حتى وصلوا إلى التهديد بالقتل، والاتفاق على القيام بإنزال في أماكن المحاضرات التي كان من المفروض أن يلقيها الشيخ الدكتور محمد العريفي.
ولمّا أعطت هذه الرعونات والفتوات والبلطجة ثمرتها، وأعلن الدكتور تأجيل زيارته، خرج بكل تبجح بعض مثقفي العلمانيين ليسوّغ تلك الرعونات والفتوات والبلطجة، ويقنع القراء والمتابعين، بأنهم إنما فعلوا ما فعلوه خوفا على أمن البلاد ودينها من إرهاب الدكتور محمد العريفي.
وحتى نستجلي حقيقة ما تنطوي عليه مواقف العلمانيين من إقصاء ومصادرة لحرية التعبير التي يَدَّعونها، وبث لمشاعر الحقد والكراهية والبغض لكل مظاهر الإسلام، وعداء للدعاة والمصلحين، نقف وقفات مع ما سبق أن كتبه أحد رموزهم وهو الأستاذ صلاح الوديع، الذي يعتبر من مؤسسي حزب البام، ومن رموز اليسار الذين جمعهم صانعو البام ليؤسسوا حزباً ليبتلع دولة، كما يعد الوديع من أقطاب حركة ضمير، والتي يبدو أنها ولدت بلا ضمير ولا حركة.
وأول ما نقف معه هو دلالة الكلمات التي اختارها عنوانا لرسالته التي وجهها للدكتور العريفي:
«حسنا فعلت يا عريفي، انسحابك لم آمرْ بهِ ولم يسُؤْني..».
فالوديع استعمل عبارة «لم آمر به»، في معرض الحديث عن انسحاب الدكتور العريفي وتأجيله لزيارته للمغرب.
فهل يقصد أن قرار الدكتور كان بأمر من جهة مقربة منه يعرفها الوديع، أو نتيجة لتدخل من طرف جهة ما، مقربة منه مارست المنع، خصوصا وأن موقع «كود» القريب جداً من أمثال الوديع قد نشر أن تقريرا رفع من طرف أحد العلماء إلى السلطات يحذر من زيارة الدكتور العريفي.
وهل كان من قبيل المصادفة أن يصطف بيت الحكمة وحركة ضمير بجانب رموز حزب البام؛ ويشكلوا صفا واحدا شمل المحاربين الرافضين لزيارة الدكتور العريفي وكلهم علمانيون طالبوا بمنعه من إلقاء محاضراته في المغرب، الأمر الذي يجعل من حزب التحكم المشتبه به الأول الذي قد يكون مَن وقف وراء ما حدث من مزايدات بلغت حد التهديد باغتيال الدكتور.
ولنبتعد عن هذا الرجم بالقرائن وليس بالغيب، ولنغص في دلالة استعمال صلاح الوديع المثقف العلماني لِلْمَثَل المشهور «لم آمر بها ولم تسؤني» ففي نظرنا هي تفوق بكثير مجرد الاقتباس، وتتجاوز كل الدلالات الأدبية، إلى إرسال رسائل ذات حمولات حربية كبيرة، فالمثل هو من قول أبي سفيان رضي الله عنه لما كان كافرا، وقاله تملصا من فعل بشع تضمن كل معاني الحقد والكراهية التي كانت بين الكفار والمسلمين، وذلك بعد أن مثل نساء قريش بجثامين الشهداء في غزوة أحد، من بقر للبطون وقطع للأنوف وأكل للأكباد، فلما أراد أبو سفيان «مثقف» قريش ورمزها وسيدها التنصّلَ من هذا الفعل المتوحش، صرح للمسلمين بموقفه بعبارة صارت بعده مَثلا سائرا: «لم آمر بها ولم تسؤني».
وحتى نفهم نفسية هؤلاء العلمانيين، ونستوعب حقيقة حربهم للإسلاميين، نستحضر القصة بأكملها التي ورد فيها هذا المثل، كما جاءت عند البخاري رحمه الله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: «جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرَجّالة يوم أُحُد، وكانوا خمسين رجلا، عبدَ الله بن جبير، فقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هَزَمْنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، فهزموهم، قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوُقُهن رافعات ثيابهن.
فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون.
فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: والله لنأتين الناس، فلنصيبن من الغنيمة.
فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منَّا سبعين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا.
فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات. ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا. فما مَلَك عمر نفسه، فقال: كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك. قال(*): يوم بيوم بدر، والحرب سجال؛ إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز: أعل هبل، أعل هبل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبوا له؛ قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، قال: إن لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبوا له؟ قال: قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم». صحيح البخاري/كتاب الجهاد.
فمن سياق القصة ومن الحمولة الحربية للعبارة التي وظفها أبو سفيان، يبدو أن الأستاذ الوديع وجد نفسه مفعما بانتصار بيته وحركته وقبيله على الإسلاميين، فاستلهم النفَس العدائي الذي كان يسيطر على نفسية أبي سفيان رضي الله عنه حال كونه كافرا معاديا للإسلام والمسلمين، فاختار أن يقول كلمته الممزوجة بالتشفي المغلف بمظهر التعالي عن الفعل القبيح الذي ليس من شيم الأبطال ويسوء الرجال الكُمَّل.
فما الذي لم يأمر به الوديع؟ وما الذي لم يسؤه؟
قال الوديع: «فضّلت، بدوري، أن أتخذ موقفا يدعو مستضيفي العريفي إلى تحمل مسؤوليتهم في هذه الاستضافة ولم أدع إلى منعه من الحضور؛ وهو، بالمناسبة، الموقف نفسه الذي اتخذته حركة ضمير».
كعادتهم يكذبون ثم يكذبون ثم يكذبون، ويشغبون ويدلسون، وفي الأخير يتنصلون من مسؤولياتهم، صلاح الوديع كما في بيان حركة ضمير، لم يترك كذبة ألصقت بالدكتور العريفي، إلا وبثها على أنها حقيقة، ليضفي المصداقية على موقفه الإقصائي من زيارة الشيخ العريفي، وهل منع العريفي أو أجل إلا بعد حملة العلمانيين ومطالبتهم السلطات المغربية بمنعه؟
وهل يليق بك أيها الحداثي التقدمي ألا يسوءك منع رجل له ما يزيد عن 18 مليون معجب بصفحته على الفيس بوك، وما يربو عن 13 المليون متابع على تويتر، ويعتبر من أهم الدعاة المؤثرين في العالم الإسلامي، والمدافعين عن قضاياه؟
لماذا لم تدافع عن حرية الكلمة أنت الذي تتباها بمراجعاتك الفكرية من اليسار الذي كان يعتبر حقوق الإنسان خدعة برجوازية للطبقة المستضعفة، وتحولت إلى اليسار الذي أصبح يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان أكثر من إيمانه بالله والقرآن؟
لماذا لم تدافع عن حرية تعبير، وعن القبول بالاختلاف؟
لماذا تترست بالتهمة الجاهزة الإرهاب وداعش؟
لماذا كذبت على قرائك وأخفيت عنهم ما وجدته من خطب ومداخلات واستجوابات يفند فيها العريفي كل ما نسب إليه، وأصررت على إلصاق التهم المكذوبة عنه، رغم أنك ادعيت التتبع والاستقصاء في تصريحك: «أنا لم أقل ذلك إلا بعد أن أمضيت يوما كاملا أستمع إلى تسجيلاته على اليوتوب».
لماذا ادعيتَ الاستقصاء والتتبع ثم سُقت الأراجيف التي رد عليها الشيخ الدكتور بالصوت والصورة والكتابة وتضمنتها العديد من المقالات، وآثرت الكذب مرة أخرى على قول الحقيقة، وتعمدت تضليل قرائك قائلا: «هذا العريفي، بالبراهين الواردة أعلاه وأسفله، داعية للحقد والكراهية والعنف والتخلف باسم الإسلام»؟
فأية براهين هذه في تهمة الداعشية والإرهاب واليوتيوب -الذي شكرت الكفار (كما وصفتهم) على ابتكاره لأنه يفضح الدعاة- يشهد أن الشيخ بريء منها براءة تامة؟
كيف تكون براهين والشيخ لو ظفر به الدواعش لمزقوه؟
كيف يكون إرهابيا وداعشيا وهو يجوب العالم بالمحاضرات والمؤتمرات والندوات ويعمل مع وزارات بلاده في الدعوة والإرشاد والتعليم؟
لا يكون الدكتور إرهابيا وداعشيا، إلا إذا كنتَ تصنف المجاهدين قاطبة في أماكن الحرب ضد الأمريكان والروس من الدواعش، فهذا خطأ لا يصدر إلا عن حاقد، وتأباه النزاهة الفكرية، والموضوعية البحثية، رغم أن تلك النزاهة وهذه الموضوعية لا تعجب العلمانيين الغلاة، الذين لا يستنكفون من الوقوف في صف الكيان الصهيوني ضد حماس لمجرد أنها إسلامية.
ثم أين هي هذه البراهين في إلصاقك بالدكتور تهمة تحريم خلوة الأب بابنته، رغم أنها تسقط بمجرد معرفة القصة، إذ كانت المسألة تهم أبًا مريضا بالشبق لا يتورع في لمس الأماكن الحساسة في جسد ابنته اليافعة تحرشا بها، وأمها استفسرت الشيخ وطلبت منه إرشادها، فأشار عليها بضرورة اجتناب خلوة البنت مع أبيها المريض ممسوخ الفطرة.
وهذا التفنيد هو أيضاً مبثوث على اليوتيوب وغيره، لكن عين الحقد والبغض لدى الأستاذ الوديع لم تره هذه الحقائق، رغم أنه ظل يوما كاملا -كما ادعى- يتابع تسجيلات العريفي.
لقد استنفذت حيز المقال ولم أستوعب كل الأراجيف التي سماها هذا الحداثي التقدمي براهين.
نناشدكم أيها العلمانيون بعض النزاهة مع قرائكم، احترموا عقولهم، وكفى حقدا وكراهية، فحربكم ضد الإسلاميين لا تزيدكم عند المغاربة إلا مقتا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قال يعني أبا سفيان.