هل هو الإفلاس التام يا وزارة التربية الوطنية؟!
هوية بريس – المصطفى سالمي
ما زالت المدرسة العمومية في بلادنا تعرف مأزقا كبيرا بسبب تعنت الحكومة واتباعها سياسة الهروب للأمام، وبسبب الإصرار على نظام أساسي مجحف أغلبه عقوبات انتقامية من المدرس (صفحة ونصف) مع خلوه من أية تحفيزات تذكر، نظام أساسي مثقل بالمهام التعجيزية المستحيلة (إذا أردت أن تُطاع، فطالب بما يُستطاع)، وهي مهام تتطلب تواجد عشرات الألوف من الموظفين للقيام بها.
والمثير والغريب أن من يضع هذه المهام الجسيمة يتهمهم عموم الشعب المغربي بالفشل في مهامهم الموكلة لهم (رمتني بدائها وانسلت)، فعشرات من الوزراء ومئات من البرلمانيين والمستشارين ومن يدورون في فلكهم شبه غائبين عن إنجاز المطلوب منهم، فقد حولوا أغلب قطاعات الدولة إلى الخوصصة بعد أن أثقلوا كاهل الميزانية بالمديونية الخارجية، فاتسعت دائرة العجز الاقتصادي رغم غنى البلاد بالثروات المختلفة التي لم يحسنوا ترشيدها، ودفعوا البلاد إلى حافة الإفلاس، فالتهبت الأسعار وساد التضخم، وعشش الفساد الإداري والإفلات من العقاب (التهرب الضريبي/ شراء العقوبة السجنية/ إلغاء قانون من أين لك هذا؟). إذن هؤلاء المسيرون الفاشلون المحصنون من العقاب الكسالى هم الذين يتهمون معاشر الأساتذة بالفشل والكسل ورفض إصلاح منظومة التعليم ويفرضون عليهم العقوبات، فسبحان الله تعالى حين يقول: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). إن أغلب هؤلاء الوزراء والبرلمانيين ببلادنا فاشلون دراسيا، عاجزون عن ارتجال جملة عربية فصيحة سليمة لغويا وتعبيريا.. فكيف يكون للفاشل أن يحاكم الناجح؟ وكيف للفاشل أن يتحكم في مصير المتفوق؟!
هكذا يتمادى المسؤولون في تحدي الشعب المغربي بمدرسيه وتلامذته وأولياء أمورهم والذين اتحدوا جميعا للمطالبة بإنصاف المدرس الذي هو إنسان مغربي ابن هذه التربة، شرب من مائها واستنشق هواءها وترعرع في أرضها، فلماذا يسلط عليه المسؤولون أجهزتهم الإعلامية للنيل منه وكأنه كائن أجنبي متربص بالوحدة الترابية للمملكة، أو كأنه عدو للبلاد كما يصوره إعلام الصرف الصحي المهيمن على المشهد الصحفي ببلادنا.
إن التعليم بوطننا يشكل آخر حصن لبقاء هذا البلد قويا متماسكا، فهل يريد المتربصون النيل منه حتى يخلو الجو لمخططاتهم المشبوهة؟ أم فقط هو العجز عن تحمل ضغوط صندوق النقد الدولي وإكراهاته التي تحول دون إنصاف المُدرس رغم اعتراف الجميع بأحقيته ومشروعية مطالبه (وعلى رأسهم وزير التربية الوطنية)؟ لكن في المقابل لماذا الإصرار المستميت على إنجاز مشاريع ضخمة ومكلفة وغير ذات جدوى حقيقي مثل ملاعب كرة القدم بمواصفات عالمية مع هدم أخرى حديثة نسبيا وبتكاليف مكلفة جدا للاقتصاد الوطني المخنوق أصلا، تكاليف الأوْلى أن يتم بها تطوير المدرسة العمومية التي أرباحها مضمونة عوض الاستثمار في لعبة وُجدت أصلا للتسلية.
إن هذه الأسئلة المحيرة للعقول تجعل البعض يعتقد بأن المسؤولين ببلادنا بلغوا درجة كبيرة من السفه والعبث أن تُترك لهم مهمة تبذير مقدرات الشعب في تفاهات من قبيل المهرجانات الصيفية التي تُكلف الملايير يتم خلالها استقدام مغنين ومطربين من الشرق والغرب لتخريب العقول والأخلاق، فكيف لمن يخرب أن ننتظر منه بناء العقول والاهتمام بالمدرسة أو الحرص على تكوين الأجيال وإصلاح منظومة التربية؟ إصلاحهم المزعوم إذن كذبة وخدعة كبرى، تصوروا أن نطالب بنّاء بإنشاء مشروع معماري ولا نقدم له عدّة العمل ومواد البناء الكافية ودون أن نحفز ه بأجره المستحق، دون شك سيرفض هذا المشرف على المشروع ما هو مطلوب منه، وإذا ضغطنا عليه سيغش في العمل، والنتيجة بِناء مهدد بالانهيار، نفس الشيء سيكون بالنسبة للمدرس، والنتيجة عقول مخربة مسوسة، وإذا كان التدارك في الحجر ممكنا بإعادة الهدم والبناء، فإن التدارك في الإنسان مستحيل، وهكذا فطريق التجهيل ستفرض بناء مزيد من السجون والمحاكم وانتظار أجيال تتوارث تبعات الكارثة المنتظرة.
هذا ما يصر عليه مسؤولونا لا سامحهم الله بتعنتهم واستكبارهم، لقد تركوا الاستثمار في الإنسان واتجهوا للاستثمار في التفاهة والتسلية وكأس العالم لكرة القدم.
إن تحدي إرادة الشعب لن تقود البلاد لبر الأمان، فالفجوة تكبر، وشبح السنة البيضاء يلوح في الأفق، والرهان على مزيد من الوقت لن يجدي نفعا، اختصروا الطريق للنجاة جميعا، فالتحدي سيغرق المركب ويعصف بمناصبكم أنتم أيضا وسيعصف بمستقبل هذه البلاد.
العاصفة تلوح في الأفق، وسنة بيضاء ستجر أخريات، والمدارس ستغلق أبوابها، والجهل يتربص بالأمة، فهل تقدرون ـ أيها المسؤولون ـ على تكاليف التجهيل وظلامه القاتم؟! الأمم الواعية بأهمية التعليم تستمر مدارسها مفتوحة حتى في ظل الحرب وتحت القصف، المدرسة منجم لكل المهن والوظائف والمناصب، هي النور والأمان، فحذار من المقامرة بمصير الوطن والمواطنين، إن كان عندكم أيها المسؤولون ذرة من تعقل ورزانة.
وسيلتكم الأخيرة التي تلوحون بها هي التشهير بالاقتطاع، ولا وسيلة تهديد غيرها، إن جربتموها تحترق آخر أوراقكم وتتعرى سوءاتكم أمام الجميع، كل موظف من موظفي الإدارة العمومية يمكن تعويضه بموظف في إدارات عمومية أخرى، لكن وحده المدرس لا يمكن تعويضه بموظف في البريد أو المصارف أو المصانع… بل لا يمكن تعويضه بمدرس في مادة أخرى، افهموها جيدا واختصروا الطريق فالعلماء ورثة الأنبياء، والمطالب صغيرة وعلى رأسها الكرامة فلا تركبوا صهوة الحماقة، فكل داء له دواء، إلا الحماقة أعيت من يداويها.