أي جديد سيحمله قرار مجلس الأمن حول الصحراء؟

28 أكتوبر 2022 08:15

هوية بريس – بلال التليدي

انطلقت التحركات الدبلوماسية الكثيفة في أورقة مجلس الأمن للضغط لاستصدار قرار يخدم هذا الطرف أو ذاك من أطراف النزاع حول الصحراء.

التقرير الأممي الذي جرى التداول حوله في الأيام القليلة الماضية، يدعم روح القرار السابق 2602، القرار الذي استقبلته الجزائر وجبهة البوليساريو السنة الماضية بكثير من الشجب والاستنكار بحجة عدم التوازن والتحيز لطرف واحد في الصراع هو المغرب، ويؤكد من جهة ثانية مساعي إطلاق عملية الموائد المستديرة والعوائق التي تكتنف هذا المسار.

الفقرات المرتبطة بالملف الأمني والعسكري، تسجل حالات لخرق وقف إطلاق النار من الطرفين، لكنها تشير إلى ما يثبت رأي المبعوث الأممي في قضية الصحراء في تصوره لانخراط الجزائر في الصراع، وكونها جزءا منه، لا مجرد مراقب، فقد سجل التقرير أن مركبات جزائرية فضلا عن جزائريين (قتلوا) تم ضبطهم في المنطقة العازلة، أي منطقة النزاع، خلافا للروايات الجزائرية التي قالت إن المغرب استهدف عسكريا مواطنين جزائريين يستقلون شاحنات لنقل البضائع في الأراضي الموريتانية.

هذه الحيثية تدعم رؤية المغرب بكون الجزائر طرفا أساسيا في الصراع، بل وتدعم أيضا مقاربة مجلس الأمن، الذي يشترط حضور الجزائر في الموائد المستديرة للتقدم في التوصل لحل سياسي لقضية الصحراء.

في نفس الشهر من السنة الماضية (أكتوبر)، فسرت رواية البوليساريو تبني مجلس الأمن لقرار 2602، بتحيز كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لأطروحة المغرب، حيث قامت روسيا بتجسير مروره بامتناعها عن التصويت، في حين فسر المغرب القرار بكونه يعكس بشكل طبيعي تطور الملف، ووقوف مجلس الأمن على الأرضية الصلبة التي تجعل حل النزاع أمرا ممكنا، سواء من جهة الإشادة بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها حلا واقعيا قابلا للتطبيق، أو من جهة دعوة الجزائر إلى المشاركة في الموائد المستديرة باعتبارها طرفا أساسيا في النزاع.

لا يوجد أي مؤشر على حصول تحول جوهري في مواقف الدول الكبرى، فالولايات المتحدة الأمريكية تدعم روح القرار السابق 2602، وترتب لاستصدار قرار جديد (عبر طرح مشروع قرار) يجدد مهمة المينورسو لسنة أخرى، مع دعم جهود المبعوث الخاص الأممي لدفع الأطراف للتوصل لحل سياسي عادل على قاعدة مخرجات الموائد المستديرة التي لا زالت الجزائر تعارضها أو تتردد في المشاركة فيها.
جديد مشروع القرار الأمريكي هو الصياغة، التي تتجه إلى الإشارة الأكثر دلالة على الأرضية التي يوفرها المقترح المغربي للحكم الذاتي لحل النزاع.

الترقب يسود الموقف بإزاء ما ستتجه إليه فرنسا، وهل سيكون لمسار علاقاتها الاستراتيجية الجديدة مع الجزائر تأثير على توجهها بخصوص قضية الصحراء، أم أنها ستحتفظ بنفس مقاربتها السابقة، التي كانت سببا في مواقف غاضبة صدرت من الجزائر والبوليساريو من القرار 2602.

البعض يرى أن مؤشرات تحول الموقف الفرنسي موجودة على الأرض، فالعلاقات المغربية الفرنسية تمر بعاصفة صامتة، ورغم أن البلدين معا يحاولان تدبير التوتر بتسقيفه ضمن سقف التوتر المنخفض، إلا أن الطريقة الناعمة التي لجأت إليها باريس أولا، وردت عليها الرباط ثانيا، بسحب السفراء عبر تعيينهم في مناصب أخرى داخل جهاز الدولة، تشعر بأن إمكانية احتواء الخلافات بين البلدين لا تزال بعيدة، لكن دون أن يعني ذلك اللجوء إلى أدوات تدبير الصراع ضمن السقف المرتفع.

سبب الخلاف المغربي الفرنسي، لا يعود على الأرجح إلى قضايا تخص الهجرة السرية، ومدى تعاون المغرب مع فرنسا في ترحيل المهاجرين غير النظاميين، فهذه القضية الخلافية، التي كان مبرر عدم حلها على الأقل من جهة الرواية المغربية، هو خلاف إداري يتعلق بتدابير الوقاية من فيروس كورونا (رفض فرنسا إجراء كشف PCR لهؤلاء ورفض المغرب القبول بعودتهم من دون هذا الكشف). هذه القضية بعد رفع هذه الإجراءات الاحترازية من المطارات والموانئ، أصبحت جزءا من التاريخ، ولم يعد للمغرب أي حرج في إصدار تصاريح أو القبول بعودة مهاجريها غير النظاميين لأرض الوطن.

ما من شك أن الخلاف بين فرنسا والمغرب عميق، ولا يوجد حل له سوى بتعايش باريس مع واقع الأمر، فالمغرب، مضى في ترسيم علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا، وعلاقاته مع بعض الشركاء تجاوزت علاقته مع فرنسا، وتوجهه إلى تطوير ترسانته العسكرية ومدها بأنواع جد متطورة تكنولوجيا، فضلا عن علاقاته الأمنية والعسكرية مع إسرائيل، باتت مصدر قلق بالغ من باريس، كما أن تقهقر النفوذ الفرنسي في دول غرب إفريقيا، وتحصين المغرب لنفوذه الاقتصادي والتجاري وعلاقاته الدبلوماسية بهذه الدول، زاد من تعميق الأزمة، إذ بدأت فرنسا تنظر للمغرب لا كشريك فحسب، بل كمنافس تجاوز الدور الفرنسي، ويطمح أن يحل محله.
الجزائر، ومعها جبهة البوليساريو، تبنيان على هذه الوقائع، وتتصوران أن العلاقات الاستراتيجية الاستثنائية التي أبرمتها مع فرنسا، هي مؤشرات كافية لترقب تحول نوعي ودال في الموقف الفرنسي من قضية الصحراء، لكن، في المقابل، ثمة مقاربة أخرى تنظر فرنسا من خلالها للموضوع، ففرنسا لا يمكن أن تتغافل عن القرار الجزائري بإقفال الأجواء على الطائرات العسكرية الفرنسية والذي أضر بمصالحها بمالي، بل ولا يمكن أن تسحب من اعتبارها الاستراتيجي الدور الجزائري في التمكين للنفوذ الروسي في منطقة الساحل جنوب الصحراء، فما حدث في مالي، بالمنظار الفرنسي، يرجع جزء كبير منه، إلى الدور الجزائري، والحديث عن تقارب في النظر بين الجزائر وباريس على هذا المستوى، يعتبر من قبيل المستحيل، لأن المقاربة الفرنسية تتأسس على استعادة دورها ونفوذها في مالي، بينما تتأسس المقاربة الجزائرية على تقديم دعم لوجستي وفتح نوافذ مهمة لروسيا في دول الساحل جنوب الصحراء وهو ما يتناقض جذريا مع رؤية فرنسا.

ثمة اعتبار آخر مرتبط بسابقه، هو ما يتعلق بالرؤية المشتركة التي يحملها كل من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتهم فرنسا، للتحديات الأمنية في دول الساحل جنوب الصحراء، خاصة بعد أن تعمقت هذه التحديات بدخول معامل النفوذ الروسي للمنطقة، ففرنسا، لا يمكن أن تنتج مقاربة أخرى تسير عكس هذه المقاربة، ولا يمكن لها بالقطع أن تسير في اتجاه قرار يربك توازن المعادلة الأمنية التي يراهن عليها كل من الناتو والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

تقوم هذه المعادلة على مبدأ حل سياسي لقضية الصحراء، واتحاد مغربي قوي ومندمج، وتشجيع تعاون مغربي جزائري في المنطقة، باعتبار الدولتين محورين إقليميين، وتتمتعان بقدرة جيشيهما على تأمين الحدود، ولعب دور مهم في مواجهة هذه التحديات في حال حصول تنسيق إقليمي بين البلدان.

لهذا الاعتبارات الاستراتيجية، سيكون من الصعب على فرنسا أن تغير موقفها من قضية الصحراء، وسيكون أي تحول من هذا القبيل مجهضا لإمكانية فتح باب عودة طبيعية للعلاقات مع الرباط، وحاكما على العلاقات بالخروج من دائرة تدبير التوتر تحت السقف المنخفض، وهو ما سيعرض مصالح باريس لضرر بالغ بحكم النفوذ الفرنسي الكبير والامتيازات التي تحظى بها في المغرب.

من جهة روسيا، الأرجح بحكم حفاظ المغرب على توازن علاقته بها ومحاولته تطويرها والاتجاه بها إلى آفاق كبيرة (إبرام اتفاق لإنشاء محطة نووية)، واتجاه المغرب لمنطقة الحياد في قضية الحرب الروسية على أوكرانيا، اللهم ما تعلق بالمشاركة في قرار إدانة ضم روسيا للأقاليم الأربعة من أوكرانيا، مما كان موضع تقاسم من طرف كل الدول العربية، بما في ذلك الجزائر التي اختارت الامتناع عن التصويت وليس الفرض. الأرجح أن تحتفظ روسيا بموقفها السابق، أي الامتناع عن التصويت، مع العدول عن أي تدخل نوعي لتعديل مشروع القرار المعروض، حتى لا تظهر بصورة المعارض لمصالح المغرب الحيوية.

الأقرب إلى التصور، أن يأتي قرار مجلس الأمن هذه السنة قريبا من سابقه، مع لغة أكثر صرامة في اشتراط حضور الجزائر في الموائد المستديرة، وإشارة أكثر وضوحا للمقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الواقعي القابل للتطبيق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M