الانتحار ليس حلا

09 فبراير 2017 19:40
د. رشيد نافع: دفع شبهة مثارة حول المنهج السلفي

هوية بريس – د. رشيد نافع الصنهاجي

من الأمور المستغربة والطارئة على مجتمعنا المغربي تصاعد نسب الانتحار من مختلف الأعمار ، والحمد لله نحن نعيش في مجتمعٍ مسلمٍ يحترم النفس الإنسانية ولا يعتدي عليها، ويُعلي من شأنها انطلاقاً من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وتوجيهاته السامية التي نهت عن الانتحار وشدّدت في الوعيد لمن يقدم عليه أو يُسهم فيه قولا أو فعلا أو إشارة أو تخطيطا أو بأي شكلٍ من الأشكال، ومن المعلوم شرعا أن قتل النفس من كبائرِ الذنوب، وقد جاء الوعيد في حق من أقدم على ذلك قال الله تعالى: “وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً” [النساء:29]، إنه أمر إلهي يجب ألا نخالفه.

وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً“، وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار، والذي يقتحم يقتحم في النار“، فالحياة منحة إلهية لا تقدر بثمن، وبالتالي فإن إهدارها يعد ذنباً وإثماً عظيماً، فحرمة الاعتداء على الذات لا تختلف عن الاعتداء على الآخرين، بل إن الفقهاء عَدّوا الاعتداء على الذات أشد ظلماً وفجوراً.

ومن المعلوم أيضا أننا عبيد مربوبون لله جل وعلا وأننا ملك لخالقنا تعالى، ومن ثم فإنه لا يحق لك أيها العبد أن تتصرف فيما لا تملك، فالله عز وجل هو خالق الإنسان ومالكه، هو من خلقه وهو من يتوفاه في الأجل المعلوم الانقضاء، ثم يحاسبه يوم القيامة ويجازيه بحسب عمله.

ومن المعلوم في الشرع أيضا أن وصف الإسلام باق للمنتحر فلا ننعته بالكفر، بل أمره إلى الله؛ ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أنه هاجر إلى المدينة معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: “غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم”، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: “قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت”، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم وليديه فاغفر“، وقد ترجم الإمام مسلم رحمه الله تعالى لهذا الحديث بقوله: “باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر“.

إذا تقرر هذا فإن المنتحر تُجرَى عليه أحكام موتى المسلمين، فيُغسَّل ويُكفَّن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويورث ماله ويترحم عليه ويدعى له.

قال ابْنُ بَطَّالٍ في شَرْحِ البُخَارِيّ: “أَجْمَعَ الفُقَهاءُ وأَهْلُ السُّنَّة أنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أنَّهُ لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه يُصَلَّى عليه، وإثْمه عليه كما قال مالكٌ، ويُدفن في مقابر المسلمين، ولم يَكْرهِ الصلاةَ عليه إلا عُمَرُ بن عبد العزيز، والأوزاعيُّ في خاصَّة أَنْفُسِهِما، والصَّوابُ قَوْلُ الجماعةِ“.

وإذا أردنا القضاء على هذه الظاهرة والحد منها، فما علينا إلا العودة الصادقة إلى الله تعالى والالتزام الصادق بما أمر الله به من أقوالٍ وأعمالٍ وأوامر ونواهٍ جاءت في مجموعها مُمثلةً لدور التربية الإسلامية ومؤسساتها الاجتماعية المختلفة في تحصين الفرد وحمايته من هذا الانحراف السلوكي الخطير، وذلك من خلال زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع عبر مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية، لبيان خطر جريمة الانتحار وبشاعتها وما يترتب عليها من نتائج وآثار وعواقب وخيمة سواءً على الفرد أو المجتمع. والعمل أيضا على ترسيخ مفهوم مراقبة الله تعالى في كل شيء سرا وجهرا قولا وفعلا، بل وفي كل شأنٍ من شئون الحياة، لأن من راقب الله تعالى واتقاه لن يستحوذ عليه الشيطان، ولن يلقي بنفسه إلى التهلكة، لأنه يعلم سلفا أنه سيُسأل عن ذلك أمام الله تعالى.

وختاما: علينا أن ندرك أن الإسلام لم يغفل عن هذه الظاهرة أو يهملها بل اهتم وعالجها العلاج الأمثل. ولذلك نجد أن أخفض نسبة للانتحار هي في العالم الإسلامي، وذلك بسبب تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية. بينما يعاني الغرب من عدم وجود تعاليم تمنعه من الإقدام على الانتحار فتجد نسب الانتحار عالية لديهم.

أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا أرواحنا وديننا وأعراضنا، وأن يرزقنا حياةً طيبةً، وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وأزواجه وذريته.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M