الدكتور العثماني يكتب: أهمية الصبر والتحمل

16 أبريل 2022 14:17

هوية بريس- د.سعد الدين العثماني
[email protected]

من معايير الصحة النفسية تمتع الفرد بالقدرة على الصبر والتحمل. ويتمثل ذلك في قدرته على ضبط نفسه والصمود أمام الأزمات والشدائد وضروب الإحباط، وتحملها دون جزع، وتجاوز تأثيراتها. ويتميز هذا المعيار بأهمية خاصة في عالم اليوم بسبب كثرة الضغوط النفسية والاجتماعية المرتبطة بالحياة العصرية المتسمة بالتحولات السريعة في أنماط الحياة والمؤثرة على صحة الإنسان سواء الجسدية منها أو النفسية. ففي عالم يتميز بالسرعة، كل شيء يدفع إلى العجلة. كما أن التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي مثل جميع المجتمعات المماثلة تفاقم الضغوط على الفرد وتجعله في حاجة إلى التسلح المستمر بالصبر والتحمل.
لكن الصبر لا يعني السلبية أو الاستسلام، بل هو جهد نفسي يمكن الإنسان من تجنب القيام بردود الفعل السلبية، والتحلي بصفني الانتظار والمراقبة، والبحث عن التصرف الصحيح في الوقت الصحيح.
ولأهمية الصبر والتحمل بوصفهما خلقا ساميا إيجابيا، فقد مدحهما القرآن الكريم، واعتبرا وسيلة للتقرب إلى الله. والآيات القرآنية كثيرة وافرة في هذا الاتجاه، مثل قوله تعالى: “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”، وقوله: “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”.
ويتطلب الصبر جهدا من التركيز وضبط النفس. ويضم أساسا ما يلي:
ـ القدرة على محافظة الفرد على توازنه وإدارة الحياة الانفعالية عند التعرض لأي صدمة أو ضغط نفسي. والضغوط التي يمكن أن يتعرض لها الفرد كثيرة منها مثلا وفاة أحد الأقارب أو دخوله السجن أو الإصابة بمرض خطير أو بحادث صعب أو فشل في امتحان مصيري أو غيرها من العوامل الأخرى المسببة للضغط النفسي.
ـ القدرة على استعادة توازنه بعد الصدمة، فمن المتفهم أن يصاب الفرد ببعض التوتر أو أن تصدر عنه بعض ردود الفعل عند التعرض لصدمة قاسية، لكن الصحة النفسية الجيدة استعادته لحالته الطبيعية تدريجيا في وقت قريب ومتابعة حياته بشكل عادي. والطول غير العادي لمرحلة الصدمة دليل ضعف الصحة النفسية، وربما على وجود اضطراب نفسي.
ـ تقبل الفشل والإحباط ومشاكل الحياة بكل هدوء واتزان، مع الوعي بأن الحياة مزيج من النجاحات والإخفاقات، فلا حصول نجاح بأمان أبدي، ولا حصول فشل بانهيار أبدي.
ـ القدرة على استثمار فرصة الصدمة لتطوير الشخصية والتعلم من نجاحه وفشله، وتجنب تكرار الأخطاء. فشخصية الفرد إنما تبنى بتراكم تجارب حياته إيجابية كانت أو سلبية. وأيا كانت التجربة فالمطلوب من الفرد أن يجعلها درسا في الحياة دافعا للأحسن.
ـ القدرة على التكيف مع الواقع مهما كان مريرا إذا كانت ظروفه أقوى من طموحات وآمال الفرد في التغيير. وهو ما يدخل في المرونة النفسية.
ويوازي هذا المعيار: معيار الصبر والتحمل، ما يسمى بقوة الإرادة. فإرادة الشخص عندما تكون ضعيفة تؤدى إلى العجز عن تنفيذ رغباته أو تحقيق طموحاته أو الثبات أمام الشدائد والأزمات. وفي كثير من الأحيان يكون الشعور بالضعف شعورا وهميا ناتجا عن خلل معرفي أو عاطفي، مثل تصور الأحداث تصورا مأساويا وهي في الواقع غير ذلك.
وتظهر أهمية قوة الإرادة في حياة الإنسان اليوم بالنظر للازدياد المطرد لحالات الانهيارات النفسية والسقوط في أسر الإدمان على مستوى العالم. فهو في الحقيقة مظهر من مظاهر انهيار سد منيع من الحصانة النفسية بسبب ظروف الحياة العصرية فرديا واجتماعيا.
إن الوعي بهذا المعيار له تطبيقات عملية عديدة في مجال الصحة النفسية.
أول تلك التطبيقات أن الصبر عملية نفسية إرادية، يتم فيها تحويل الأفكار والمشاعر السلبية أمام الضغوط والأزمات إلى أفكار ومشاعر إيجابية. فالمشكل ليس في قسوة الأزمات التي يتعرض لها الفرد، بل في عدم القدرة على تحملها وسوء التفكير فيها والجزع منها. وبالتالي ففي مقدور الفرد رفع مستوى قدرته على الصبر والتحمل. ومن هنا فيمكنه أن يتدرب على الصبر وأن يتقنه كما يمكنه إتقان أي شيء آخر. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم”.
ومن قواعد ذلك: الإصرار على تحمل صعوبات الصبر، وربما اصطناعه، إلى أن يصبح سهلا، ثم يصبح سلوكا عفويا. وهو ما يمكن لأن يصطلح عليه بملكة الصبر.
وثاني التطبيقات أن التخلق بالصبر إذا أصبح هما للفرد، فإنه يستعين في ذلك بمختلف المعينات. ومن أهمها العناية بالبعد الإيماني لتصبير النفس مع التسلح بقوة الأمل والثقة في المستقبل. وهذا يجعل من تجرع صعوبات الصبر هدفا ساميا، يعطيه تأثيرا نفسيا إيجابيا منميا للصحة النفسية.
وأخيرا يجب التأكيد على أن أهمية الصبر والتحمل لا تعني عدم وجود ظروف قد تستدعي رد فعل قويا، وربما ثورة وغضبا. فالتعامل في هذه المواقف بغير ذلك يصبح ضعفا ولا مبالاة غير مقبولة. لكن ردود الفعل يجب ألا تكون هي أصل تعامل الفرد مع الأحداث، ويجب أن تكون في حدود المعقول بما يحقق الأهداف المتوخاة منها. فبذلك فقط تكون جزءا من صحة نفسية جيدة.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M