الدكتور الفايد ومستنقع وسائل التواصل الاجتماعي

25 مايو 2023 21:06

هوية بريس – سعيد الغماز

جدل كبير سيطر هذه الأيام على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد تورط الدكتور الفايد في أجندات تريد الإساءة لدين المغاربة ونشر نزعة التفرقة. والخطير في الأمر هو أن أحد أصدقاء الفايد المقربين هو من كان وراء نشر هذه الاتهامات. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أشار صديق الفايد إلى وجود امرأة تتخفى وراء اسم أريج المسك، ويقول بأنها هي من تتحكم فيه لدرجة أنها تتدخل حتى في آرائه وأفكاره.

لا أريد في هذا المقال الدخول في هذا الجدل العقيم الذي يستعمل لغة فايسبوكية رديئة لا تناسب إلا القنوات التي تبحث عن زيادة نسبة المشاهدة والموجهة أساسا لجمهور يتسلى لقتل الوقت فقط. فيكفي ما هو منشور في وسائل التواصل الاجتماعي حيث نجد كل فريق يروي حكايته كما يحلو له ويبني عليها مواقفه واتهاماته للآخر. وإنما أريد أن أركز على بعض الأسئلة الجوهرية: كيف سقط الدكتور الفايد في هذا المستنقع الذي أضر كثيرا بصورته العلمية؟ كيف يتحول متخصص في علم التغذية إلى شخص غارق في مستنقع الأجندات واتهامات بوضع يده في “عصابة” حسب تعبير صديق الفايد، تخدم أجندات مشبوهة؟ كيف سمح الدكتور الفايد أن يكون اسمه مادة دسمة للسخرية في العالم الافتراضي، وموضوعا لمن يبحث عن البوز بنشر عناوين من قبيل: “الفايد يفضح المستور” وكأنه سيكشف عن خبايا الحرب العالمية الثالثة…”الفايد سيدمر قناة صديقه في 5 دقائق” وكأن الرجل يملك قنبلة نووية…”نهاية الفايد” وكأننا نعيش حرب الباسوس والغبراء!!!

نعرف الكثير من العلماء الذين بصموا مسارهم العلمي بأبحاث واختراعات، ومنهم من حصل على جائزة نوبل للسلام. لكننا في ذات الوقت نعرف أنهم يهتمون بتخصصاتهم ويتابعون أبحاثهم وإنجازاتهم في مجال تخصصهم العلمي دون الخوض في مجالات بعيدة عنهم احتراما لمكانتهم العلمية. لذلك لا زالوا يحظون باحترام جمهورهم ويحافظون على سمعتهم العلمية. فما الذي جعل الدكتور الفايد يحيد عن منهج العلماء ويتخلى عن مواصلة العمل في تخصصه، ليرتمي في مستنقع العالم الافتراضي، مما جعله يفقد رصيده العلمي ويصبح مادة للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي؟ حتى أننا أصبحنا نسمع عن تحكم امرأة تحمل اسما مستعارا “أريج المسك” في حياته الشخصية والعلمية. كيف يسمح الدكتور الفايد لنفسه، بعد أن صنع اسما في علم التغذية، السقوط في مستنقع وسائل التواصل ويبتعد عن لغة العلم ليردد لغة الحضيض المنتشرة في وسائل التواصل: لغة “أنا قاري القانون والعلوم الشرعية والفلسفة ووووو” دون ذكر أي شهادة في أي تخصص، لغة “كانعرف خبايا الأمور” دون الإفصاح عنها، لغة “عندي الدليل القاطع بالصوت والصورة” دون عرضها على المشاهدين”، لغة “كل ما يقوله الخصوم كذب وأنا أتكلم بصدق” دون الخوض المباشر في مزاعم الخصوم واستعمال لغة تدليسية لخداع الجمهور….

الفارق بين الدكتور الفايد والعلماء الذين يحظون باحترام محيطهم العلمي، هو أن المتخصص في علوم التغذية ترك متابعة أبحاثه في تخصصه، لأسباب لا نعرفها ولا يريد هو الإفصاح عنها، وشرع في الخوض في مواضيع بعيدة عن تخصصه كفيروس كورونا والطب والشأن الديني. والغريب في الأمر هو أن السيد الفايد لا يناقش القضايا الدينية بعرض وجهة نظره وتوضيحها لمتتبعيه بأسلوب علمي ومقارعة الحجة بالحجة، وإنما اختار الانتقال من تخصصه في علوم التغذية إلى الخوض في قضايا دينية باستعمال أسلوب غريب عن الحقل الديني. فبدون مقدمات ولا سبب واضح، شرع الرجل بين عشية وضحاها، في مهاجمة العلماء بما فيهم من قضى نحبه. هاجم الجميع بلغة فايسبوكية دون طرح أفكاره بشكل واضح وكأنه يقول كل شيء دون أن يقول أي شيء. فمثلا يقول إن هناك حركة من العلماء الكونيين سيعتلون منابر الخطابة بدل الشيوخ حسب تعبيره. لكن كيف سيقوم بذلك ونحن نعلم أن المساجد تابعة لوزارة الأوقاف؟ زد على ذلك أقواله المتكررة بكثرة “لن أتراجع، والله لن أتراجع والدكتور الفايد لا يتراجع ولا يخاف” لكننا لا نعرف عن ماذا سيتراجع ومما يخاف؟ “لي لبس قفطان وطلق اللحية كايولي عالم” وهو أسلوب لا يليق بعالم لأنه يناقش الأشخاص ولا يناقش الأفكار.

وبما أنه خاض في موضوع بعيد عن تخصصه، فإنه ارتأى استعمال لغة وسائل التواصل الاجتماعي البعيدة عن لغة العلم ومقارعة الحجة بالحجة. فصار الرجل يكيل الاتهامات شرقا وغربا ويلغي العلماء بقوله “ليس هناك علماء”، بل جعل العالم الإسلامي يعيش في الظلام منذ 14 قرنا وحان الوقت أن يتدخل الحاج الدكتور الفايد لإنقاذ المسلمين ليعيشوا في النور. فكيف بعالم متخصص في التغذية يتحول إلى مستعمل للغة الفايسبوك التي تحدثنا عنها سالفا.

الكثير من متتبعي السيد الفايد لم يفهموا لا ماذا يريد لأنه يسب ويشتم ولا يطرح رأيا بديلا أو فكرا جديدا، ولا سبب ذاك الانقلاب المفاجئ دون مقدمات وهو المعروف عنه تدينه واستعماله لغة دينية حتى في تخصصه العلمي، بل إن استعمال لغة دينية في تخصصه كان وراء شهرته وثقة الكثيرين فيه. لكن خرجة صديقه صاحب قناة في اليوتوب الذي استضافه غير ما مرة في قناته، قد تجعلنا نفهم بقليل من الاجتهاد حيثيات ما أثاره الدكتور الفايد من صراعات وخلافات لا تخدم مصلحة البلاد ولا تطرح نقاشا صحيا يستفيد منه العباد، وإنما تزج بالكثيرين في متاهات التعصب للرأي والصراعات التي لا طائل منها والمجتمع في غنى عنها لأنها تهدم ولا تبني.

إذا قمنا باستعراض الخلاف بين السيد الفايد وصديقه صاحب قناة اليوتوب، نجد أنه خلاف حول رحلة إلى السويد مخصصة لمغاربة العالم وكان مقررا تكريم الدكتور الفايد خلال هذا اللقاء. نشأ الخلاف بين الرجلين وهما الاثنان اللذان يعرفان جيدا أسباب الخلاف. لكننا نلاحظ أنه في الوقت الذي قام صاحب القناة بالتصعيد وكشف ما تقوم به السيدة المتخفية تحت اسم “أريج المسك” مدعما اتهاماته للفايد بشهادات بعض الأشخاص القريبين من الموضوع صوتا وصورة، نجد الدكتور الفايد يكتفي بالقول إنه يتوفر هو الآخر على تسجيلات دون عرضها ولا عرض أصحابها بالصوت والصورة كما فعل صديقه. والغريب هو أن السيد الفايد حاول خفض التوتر باستعمال لغة لطيفة فيها نبرة ضعف واستكانة وقام بإقحام عائلته التي تضررت من هذا النقاش حسب تصريحه في قناته، عكس اللغة التي استعملها مع العلماء “ما عندناش علماء” “والله لن أتراجع” “ما غادي يخوفني احد هذا راه الدكتور الفايد”. الأمر الذي يجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة حول هذا الأسلوب المستكين الذي خاطب به الفايد صديقه الذي فضح المستور.

لكن الذي يدعو للاستغراب أكثر، هو المرأة التي تتخفى في اسم مستعار “أريج المسك” والتي فضح أمرها صديق الفايد. هذه السيدة التي كانت موضوع بيان حقيقة أصدره السيد الفايد علما أنه لم يتجرأ على كشف اسمها الحقيقي وفضل استعمال الاسم المستعار. وهو ما يدفع إلى طرح أكثر من سؤال.

جاء في بيان الدكتور الفايد أنه تعرَّف على هذه السيدة التي نعتها بأريج المسك، حين اتصلت به باكية بعد اكتشاف مرضها بسرطان المعدة. يقول د. الفايد أنه وصف لها علاجا طبيعيا وكانت النتيجة هي شفائها من المرض. إلى هنا تبدو الأمور طبيعية. وكان من المفروض أن تتحدث هذه السيدة عن تجربتها هذه وتقدم شكرها بوجه مكشوف وباسمها الحقيقي لمن كان سببا في علاجها. الأمر لم يكن كذلك، بل إن السيدة، حسب صديق السيد الفايد، تنتمي لطائفة تسمي نفسها بالقرآنيين ولها شبكة علاقات متشعبة مع أشخاص لهم أجندات يشتغلون من أجلها، كما أنها استقدمت لقناة صديق الفايد راقيا تقول عنه أنه يتواجه مع الشيوخ وهو الخط الجديد للسيد الفايد في قناته، وشخصا آخر يطعن في صحيح البخاري، ثم شخص ثالث يصف نفسه بالمفكر التنويري وهو الشخص الذي رفض صديق الفايد استقباله في قناته لأنه يعرف عنه حقائق صادمة.

هنا نجد أن رواية الدكتور الفايد حول هذه المرأة يكتنفها الكثير من الغموض، وتستره عن ذكر اسمها يزيد من الشك والريبة في روايته. لسنا إذا أمام سيدة عالجها الدكتور الفايد بنظام غذائي محدد، وإنما نحن أمام سيدة مُبهمة، لها خرجات حول عقيدة الأمة المغربية تدعو للكثير من الأسئلة، كما أنها قامت بخرجات تفيد أنها طرفا في الصراع وتُقحِم لغة دينية وهي بصدد سب وشتم الآخرين وتكرر هذه اللغة بشكل غريب (إنما أريد مرضاة الله، حبيبي يا رسول الله، كانقلب فقط على رضى الله؟؟؟؟؟؟؟)، وهو الأمر الذي قد يفسر ذاك التحول الغريب للدكتور الفايد من تخصصه في علم التغذية، إلى ارتمائه في مواضيع نجدها في فيديوهات المدعوة “أريج المسك” أسلوبا ومضمونا. رواية د. الفايد التي اعتبرت المدعوة “أريج المسك” فقط امرأة وصف لها نظاما غذائيا، تطرح علامات استفهام لدى الكثير من متابعيه. فهل الدكتور الفايد انضم لهذه الأجندات بمحض إرادته بعد أن قام بتغيير قناعاته الدينية؟ أم أنه ضحية عصابة تريد هدم الدين من الداخل وكانت المرأة “أريج المسك” هي العامل الرئيسي فيما يقع للمتخصص في علم التغذية؟ إذا كانت “أريج المسك” مجرد امرأة تتبع النظام الغذائي الذي يقترحه الفايد، لماذا يتستر هذا الأخير عن ذكر اسمها الحقيقي؟ ولماذا تلك الخرجات التي تقوم بها نفس المرأة، وتتحدث فيها عن القرآنيين والشيوخ والعلماء وصحيح البخاري، بدل اكتفائها بالحديث عن النظام الغذائي الذي تأخذه من عند د. الفايد إن كانت رواية هذا الأخير فيها ولو القليل من الحقيقة.

الجواب عن هذه الأسئلة لن نجده في الشنآن المتواصل في وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما ستوضحه حقائق التاريخ ووقائع المستقبل. قد لا نعرف سبب هذا النقاش الدائر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا عن خلفياته وحيثياته، لأنه مليء بالحلقات المبهمة ويأتي في وقت كثُر فيه الحديث عن تغيير مدونة الأسرة وعن العلاقات الرضائية والمساوات في الإرث…لكننا نعرف علم اليقين أن الفايد فقد رصيده العلمي ليصير متخصصا فايسبوكيا يسمح لنفسه السباحة في مستنقع وسائل التواصل الاجتماعي بدل السباحة في بحر العلم والمعرفة.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. انا والله بكل موضوعية لاارى له رصيدا علميا ولا مساهمة عملية في علم التغذية وانما مجرد مايلوكه يقول به غيره من الدكاترة المختصين في التغذية.وانما استعماله لغة من منبع قرءاني وحديثي ويخلط لك بمصطلات واسماء علمية تستعمل في المجال.وهذاجعل الكثير ممن يثق في كلامه ويؤمن بوصفاته , وقد انتقده البعض عندما تطاول على تخصصات في الطب ,اول اخرون ان ذلك بدافع اديولوجي.وقد التزم الصمت ولم ينبس ببنت شفة ضد احد .لكن تجرا على الفقهاء والعلماء الذين لهم غيرة على دين الاسلام عندما انتقدوه بعد مانبهوه على الاخوض في عقيدة المسلمين وبطريقة استهزائية وبكلام سوقي.لقد انكر الاسراء والمعراج واعتبر ان بعض المفكرين اهم من الصحابة وان المسلمين عاشوا 14 قرنا في الظلام وقال اشياءعن الاسلام وعلماء الفقه والحديث والشريعة لايقوله الا من يحقد على هذا الدين واهله. مع انه يرتكب اخطاء في قراءة قصر من سور القرءان الكريم.
    لقد اغتر كثيرا ولا زال مغرورا والغرور مهلكة لصاحبه دينا ودنيا.
    فلا علاقة له بالعلم ولا بصفة العلماء ولا الكرماء .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M