السياسة البربرية للحماية بالمغرب (ج3).. فرنسة وتمسيح

18 أبريل 2022 00:10

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

ملخص الجزء الثالث:

يتحدث عن الجهود المبذولة من قبل المؤسسات التبشيرية، لتنصير البربر، وفرنستهم، والقطع بينهم وبين العربية والقرآن، بسبب أنها بريديُّه، وأنه يجب الحفاظ على الأعراف البربرية، لأنها ستسهل انتقال معتنقيها للمسيحية والتفرنس، وقبول الاندماج في الوضع المراد إحداثه لهم، كإبدال شرب الشاي، بشرب الخمر، في أفق جعله مشروبا وطنيا.

– الكلمات الدالة:

لفرانسيسكان، التبشير، الماسونية، إدماج، المغرب الكاثوليكي، الرابطة المغربية، المؤتمر الأفخاريستي، أزرف.

– النص:

مهام البعثة الفرانسيسكانية:

…شاركت أن البعثة الفرانسيسكانية بالمغرب، في هذه الأحلام التبشيرية التي كانت قد أكسبتهم شهداء في القرون الماضية، أسقفها المنسنيور هنري vielle كان أسقفا نشيطا، مقاتلا أكثر منه مجادلا، في المناسبات التي تجمعه مع المفكرين الأحرار، وأروقة الماسونيين،

على وجه الخصوص، كانت لديه مجلة صغيرة:le Maroc catholique كرَّست أعمدتها بانتظام لأخبار عن الصداقة البربرية، يتم توقيعها أحيانا من قبل علماء مؤثرين في الأبحاث البربرية، مثل الكولونيل “سيكار” الذي كان يكرر: “من المهم ترك الحرية الكاملة لمبشرينا في تحركاتهم لتنفيد مهمتهم” و”R.P.Ange Koeller” المختص في عقلية البربر المغاربة، أنظر له l’esprit du berbère marocain,in:Revueeconomique franaise1928 et L’amereligieuse du Marocain,1929;essai sur l’esprit du Berbere marocain,Fribourg1946

أتباع وتلاميذ شارل دوفوكو، لم يقتصروا فقط على إشهار تطلعاتهم وآمالهم، في تحويل البرابرة عما هم فيه من معتقد، ولكن مؤاخاتهم، ومعرفة التحدث معهم بمحبة، والالتزام بحمايتهم. وأحيانا من المثير للاهتمام قصرهم النظر للبربر، وفقا للتَّنْميطات المعتادة، من الأوربي لسكان شمال إفريقيا، أنظر كمثال موضوع:

Les Berbères dans l’Afrique du Nord ,in Le Maroc catholique, 1927

مجلة الفرنسيسكان زادت من رعونتها، عندما كتب فيها قلم رهباني، بشكل مضحك بعض الشيء، حيث أورد من بين ما يجب تغييره في مجتمع البربر، هو التشجيع على تناول أُناسِه الخمر، وحجته في ذلك، هي أنه مشروب حيوي، ومبهج، حتى يتسنـى له أن يحل محل الشاي الأخضر بالنعناع -هذا الشراب المخنث- ليصير المشروب الوطني للبربر عندما يتم تنصيرهم.

والأكثر خطورة ما كتبه جان جيرو، محرر La Croix الذي كان قد حدد سياسة بربرية غير ملائمة لليوطي والتي ترى أنه من الضروري التحضير لإدماج البربر، وتنصيرهم، من خلال اللعب على العداء العربي-البربري:

“اختراقنا بلاد البربر، سيتم باسم فرنسا، وليس باسم السلطان، وسيكون ذلك من خلال المدرسة، التي لن تكون لا لائكية، ولا ملحدة، بل دينية”.

وينادي بمضاعفة البعثات التبشيرية الفرنسيسكانية، من قبل المعاهد القبايْلية، المخولة إعداد البرابرة، لاعتناق المسيحية. انظر:

Le Maroc catholique, novembre 1923

لقد أظهر المغاربة، تأثرهم بشكل خاص بالعدد المميز من مجلة “المغرب الكاثوليكي” التي قدمت فيه القديس أوغسطينيوس، بالزي البربري، والتي ضمت أيضا خريطة للكنائس، التي تم بناؤها أو سيشرع في بنائها لاحقا، لقد رأوا فيه نوعا من الخريطة الاستراتيجية التي تحدد التقدم الجديد، الهادف لاستعادة المسيحية بالمغرب .

– قيام الرابطة المغربية:

ومع ذلك فإن الشبان المسيسين الذين تجمعوا منذ عام 1926 بالرباط، حول أحمد بلفريج، وفي فاس حول علال الفاسي، قاموا بتشكيل في عام 1927جمعية واحدة تسمى “الرابطة المغربية” وتابعوا باهتمام جهود من أطلقوا عليهم “المبشرين” كما علموا بالحملات التي قامت بها صحيفة (تونس الاشتراكية) ضد “الحماسة المفاجئة لرجال الدين الكاثوليك”.

ومع ذلك، فمنذ بداية 1930 احتجت هذه الصحيفة، المدعومة من قبل تنظيم تونسي، يدعى (الصواب) وكل الصحف الوطنية المصرية على (المؤتمر الأفخاريستـي) الدولي الذي دارت أشغاله في تونس وقرطاج بين 7 و11 مايو 1930.

لم يعدم الشباب المغاربة، مشاركة إخوانهم المسلمين في الاحتجاجات عن ذلك المؤتمر، وفي نفس الوقت بعث “التلاميذ الستة المغاربة المتواجدون بباريس” برقيات احتجاج على عقد ذلك المؤتمر في بلاد الإسلام.

لذلك نحن نفهم لماذا عندما صدر الظهير البربري الشهير في 16 مايو1930 قام الشباب المغاربة بمحاربته، لأنه يهدف بالأساس لتحويل البربر للمسيحية وقد بدا ذلك للعديد من المراقبين الفرنسيين الفُلْتَرِيِّين -فولتير- وكأنه ذريعة بسيطة للاحتجاج، أو حيلة ذكية روسية حربية، لتوعية الجماهير.

لماذا لا نعترف أن ذلك جاء في سياق حملات الصحافة العربية في الشرق، لمواجهة مظاهر نشر التدين اللاتيني في المغرب، من قبل مبشرين مندسين بين البربر Monteil ,Maroc ,p,139.

قام الوطنيون المغاربة بدون شك، بتأكيد رفضهم لتلك التوجهات التبشيرية، لكن “العاصفة فوق المغرب” التي نشأت في1930 كانت ستصبح أقل قوة وعنف، لو لم يشعر الناس، بأنهم مهددون في إسلامهم بشكل حقيقي.

ثانيا:

– التدبير: إنجازات السياسات البربرية

أ) أول ظهير بربري وسياسة ليوطي

طُرِحت المسألة البربرية على المسؤولين مع بداية ربيع عام 1913 عندما اقتربت قواتنا من الجبل، وأخضعت القبائل الأولى الناطقة باللغة البربرية، بني امكيلد، وبني امطير.

فقد أعلن الجنرال هنري، الذي كان يقود المجموعة العسكرية المتحركة، وفريقه الجزائري، أعلنوا تأييدهم الفوري لسياسة، من شأنها حماية أصالة العالم البربري المغربي، من خلال إبقائه في عزلته التقليدية، والحفاظ على عاداته!

وقد كتب القبطان لوكلاي الذي كان مسؤولا عن التدبير البربري منذ 1913 في يوليوز، مذكرات تنظيمية للمسألة البربرية في غضون تلك السنة، التي تم فيها اقتصار الجنرال ليوطي بَدْأً، على طلب إجراء بحث على الوضع العرفي السائد بالقبائل البربرية “لتحديد الصيغة المناسبة لهؤلاء السكان” عبر مذكرة أصدرها في 1913/7/30 تتضمن استبيانا أوَّليا حول المؤسسات البربرية، والتي سيتم تفصيله لاحقا، في ضوء المعطيات التي سيتم جمعها في الميدان، والتي ستبقى مع ذلك مجرد تكهنات، حتى يتم تدقيق جزئياتها أثناء الممارسة.

– {الاستمارة الخاصة بالقبائل البربرية المتحدث عنها سابقا، توجد في المجلد الأول Archives berberes- وقد ترجمتها -ادريس كرم- ونشرتها في موقع “هوية بريس” تحت عنوان: (الدراسات البربرية بالمغرب وتطبيقاتها السياسية/2018/4/8″}.

ومع ذلك فالاستبيان كشف النقاب عن تقلص كتلة زيان.

الجنرال هنري حدد مسار العمل الذي يجب اتخاذه مع هذه القبائل في 1914/5/2 ورفعه للجنرال ليوطي: «يبدو لي بوضوح أنه سيكون من غير الحكمة، عدم مراعات الحالة الخاصة، للقبائل التي اتصلنا بها توًّا. والمطلوب بأي ثمن، هو تجنب ترسيخ الجزء المخزني فيهم، الذي لن يؤدي إلا إلى نفورهم منا، وعدم عودة أولئك الجبليين».

بمقتضى هذه الاعتبارات، التزمت القبائل في وقت هدنتها، بتطبيق قانونها العرفي، وتعهدت فرنسا من جانبها باحترام ذلك، والسماح به.

– وجوب حماية العرف البربري:

يشهد منشور مؤرخ في 1914/6/15 باعتماد هذه السياسة :فقد أوضحَت للضباط، أنه يجب حماية عادات البرابرة، لأنها لا تبعدهم عن حضارتنا فحسب،

بل على العكس من ذلك، تسهل مسيرتهم نحوها.

لهذا الغرض، تم إنشاء مركز تدريب بربري للمعلمين بمكناس، يختص بتعليم الجبليين بعد خضوعهم، لكن تم إيقافه بعد بضعة أشهر من افتتاحه، لأسباب مجهولة. على أي حال، كان من المقرر، تقنين السياسة البربرية للجنرال هنري، بموجب ظهير 1914/9/11 الذي أكد في الفصل الأول أن «القبائل ذات العوائد البربرية الموجودة بإيالتنا الشريفة، تبقى شؤونها جارية على مقتضى قوانينها وعوايدها الخصوصية، تحت مراقبة ولاة الحكومة».

 أما الفصل الثاني من الظهير فقد جاء فيه: “تصدر قرارات من الصدر الأعظم، بعد الموافقة مع الكاتب العام لدى الدولة الشريفة، في تعيين القبائل “المتبعة للعوايد البربرية، كما يقع تعيين ما ينطبق على تلك القبايل والقوانين والضوابط الصادرة بها” (الجريدة الرسمية عدد1914/9/18/73).

ويلاحظ أنه تم التقليل من شأن سلطة المخزن على البربر، بهذا الظهير، لإعطاء سيادة السلطان، وضعا حقيقيا على تلك القبائل.

ووفقا لبيان مسؤول فرنسي رفيع المستوى في 1930/3/13 “فإن ظهير 1914/9/11 قد نوقش باستفاضة من قبل المخزن”، ومن المحتمل جدا، أن السلطان قد استسلم فقط، لوضع ختمه عليه عندما تم إجباره.

وفي كل الأحوال فإن معاداته لهذه السياسة البربرية، لم تكذَّب في أية نقطة، حتى وفاته، وهو ما يفسر لحد كبير الوتيرة البطيئة، التي طبعت تطورها.

بالنسبة للجانب الفرنسي، فإن الظهير البربري الأول، فرض كإجراء للإعداد للمستقبل، بعد معركة اخنيفرة (613 قتيلا في كولون من 1187 رجلا) التي أكدت بانه لم يعد هناك بد من غزو كتلة البربر، لكن بعد الاستعداد لذلك.

في 1915/1/9 تمَّ تشكيل “لجنة للدراسات البربرية” بالرباط، التي اكتشف أن تكوينها لم يكن فقط أداة بحث سوسيولوجي، برئاسة الكاتب العام للحماية وعضوية الكولونيل سيمون، مدير مصلحة الاستعلامات والكومندار بيرو، رئيس المكتب السياسي لليوطي، وإنما ستكون أشغالها وفقا للكولونيل سيمون مؤدية لاحقا لتطبيقات المواد السياسة والإدارية للسياسة البربرية. لذلك سمحوا أولا بتعيين قبائل العرف البربري {قرار وزيزي لـ”1914/12/12″ و”1915/4/13″ و”1920/12/11″ و”1923/5/5″}.

بعد ذلك اندمجت اللجنة مع المدرسة العليا لتدريس اللغة العربية واللهجات البربرية، المحدثة سنة 1914 بالرباط، ووضعت تحت إدارة “بربري، هو ابن لثقافة فرنسا، يسمى: نهليل”.

هذه المدرسة نظمت دروسا تمهيدية لتعليم الضباط الشباب، والمترجمين استخدام اللغات البربرية: وقد جمعت بسرعة، فريقا من “berberisants” الرواد.

– ليوطي مدبر السياسة البربرية:

تظهر هذه المؤشرات الأولى، بأن الجنرال ليوطي، الذي قيل عنه بأنه استعمل سياسة ”مناهضة أمازيغية دقيقة” وأنه كرس عمله لبناء مغرب موحد، كان في الواقع متبنيا موقفا براغماتيا: بالنسبة له، كما هو الحال دائما، لم يكن هناك حل واحد، بل عدة حلول، فمن المسلم به أنه وجد الحديث عن بربر روماني مبالغا فيه، لكنه كان يتوقع “تنويع الصيغ والأساليب، من أجل تكييفها مع جميع أوضاع هذا لبلد المركب جدا.

“كما كتب لوزير في 1915/6/16: ونعلم أنك شخصيا تضغط على الضباط لإجبارهم على دراسة اللهجات البربرية في مادة الإدارة.

وكان ينوي إحياء، أو إعادة إحياء التجمعات البربرية، وفقا لتعاليم السياسة البربرية، في الوقت الذي كتب فيها الحاكم العام للجزائر لباريس في 1915/7/6.

«أعتقد أنه يجب علينا إحياء تلك المؤسسات والعادات البربرية، كالجماعة مثلا، المشكلة لروح الخصوصية المناهضة للإسلام».

من المثير للاهتمام أن الإقامة العامة، لاحظت أن تكوين جماعة بربرية أمر شائك، وذلك عندما أرادت تنفيد ذلك بإنشاء جماعة لفرقتين من كروان الشمالية، وبني امطير، وفق الفصل الثالث، للقرار الصادر في1915/9/22 في نفس الوقت الذي تم فيه تعيين رؤساء القبائل المسؤولين المسمون “قياد البربر”.

كان علينا الحفاظ على هذا المسار لأن ظهير 1921/11/22 يجعل تطبيقاته على قبائل العرف البربري تأخذ صراحة بعين الاعتبار النصوص السابق إصدارها لجماعة السهل، لأنها قابلة للتطبيق على قواعد العرف.

أخيرا نحن نعرف المنشور الشهير الذي وقعه ليوطي والذي غالبا ما يتم تقديمه، ولكن مع الأسف غير مؤرخ، والذي يؤاخذ في الضابط المسؤول عن مكتب الاستخبارات بكرامة، ما سبق أن كتبه لأيت مسروح، وأيت سغروشن بإحضار طالب عربي من أجل كتابة الرسائل، وتعليم الأطفال، وإقامة الصلاة “هذه هي السياسة البربرية بشكل معكوس”، نحن لا نريد تعليم العربية للسكان كما كان دائما يحدث، العربية موصلة للأسلمة، لأن هذه اللغة تؤخذ من القرآن، وفائدتنا تقتضي جعل البربر يتطورون خارج إطار الإسلام.

يجب أن ينتقلوا مباشرة من البربرية للفرنسية، لأجل ذلك نحتاج لمُتَبَرْبِرين […] كما يجب أيضا انشاء مدارس افرانكو-بربرية حيث يعلم الفرنسية لصغار البربر، وفي المقام الثاني يجب الاحتفاظ بالحذر من التصرف في المجال الدينـي، الإسلام لم يوضع في البربر سوى بصمات سطحية، هذه الساكنة أبعدت من القرآن كل المفاهيم القانونية “أزْرَفْ” هو قانونهم الوحيد، وهم لا يريدون الشريعة بأي ثمن [..] كل ضباط استخباراتنا يجب إقناعهم جيدا بهذه المبادئ: ليتجنبوا خاصة ما يقدم في زريبة الإسلام لهؤلاء السكان البرابرة (النص بكامله يوجد في كتاب الكومندار Martu,Le Maroc de demain).

يتبع..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M