الكيان الصهيوني يحوّل “مسجد الخالصة” التاريخي إلى متحف!

10 نوفمبر 2020 21:13

هوية بريس – متابعات

احتلت إسرائيل الجغرافيا الفلسطينية على دفعتين لكنها ما زالت تواصل احتلال التاريخ والوعي بغية طمس الملامح العربية- الإسلامية للبلاد وحتى اليوم تقوم بذلك بشكل سافر ومفضوح يصل لحد تحويل عشرات المساجد والمآذن إلى مخازن وإسطبلات ومطاعم وحانات وإلى كنس.

والضحية الأخيرة لهذه الانتهاكات المخالفة لقوانين الأرض والسماء مسجد الخالصة داخل مدينة “كريات شمونة” في الجليل الأعلى القائمة على أنقاض بلدة الخالصة الفلسطينية المدمرة منذ نكبة 1948 التي زارتها “القدس العربي” أمس للاطلاع على مشروع تحويل المسجد التاريخي لمتحف تابع للبلدية.

داخل حديقة خضراء مظللة بأشجار باسقة ما زالت “عين الذهب” المحاذية لمسجد الخالصة تتدفق ماء وحنينا لمن اغتسل بها وتوضأ وأدى صلاته فيه وحرم منه ومنها بقوة السلاح والتهجير. يتنبه الزائر للموقع أنه لا ذكر ولو بكلمة واحدة للهوية الحقيقية للمكان سوى ترجمة حرفية لـ”عين الذهب”.

بالعكس، فاللافت أن لوحة رخامية ثبتت في واجهة المسجد المغلق منذ مايو/ أيار 1948 تقول بالعبرية إن المكان يخضع للترميم تخليدا لذكرى “ضحايا القاهرة” في إشارة لوكلاء إسرائيليين ضبطتهم مصر في الخمسينيات من القرن الماضي يحاولون تفجير دور سينما ومرافق أمريكية في العاصمة المصرية لتوتير وربما تفجير العلاقات المصرية الأمريكية غداة ثورة الضباط الأحرار ولاحقا عرفت بـ”فضيحة لافون”.

ويؤكد وليد طه النائب عن القائمة المشتركة وهو مدير سابق لقسم المعارف في بلدية كفر قاسم أن محاولة قتل روح المكان وطمس هويته هي فضيحة ثانية.

في حديث لـ”القدس العربي” أوضح طه أنه أبرق لرئيس بلدية كريات شمونة ودعاه فيها لوقف أعمال “التطوير والترميم فورا” متسائلا في مذكرته كيف كان سيرد رئيس بلدية “كريات شمونة” وغيره من اليهود وسواهم بحال تم تحويل كنيس إلى متحف؟

برعاية حكومية

وتفيد لافتة باللغة العبرية في مدخل المكان أنه يخضع لعمليات تطوير وترميم وبناء “متحف كريات شمونة” برعاية وزارتي الثقافة وتطوير النقب والجليل الإسرائيليتين، ويبدو أن أعمال الترميم في أوجها وستنتهي كما جاء في اللافتة مع نهاية العام الجاري. وعبر نافذة زجاجية يمكن رؤية خزائن ومعلقات وموجودات مختلفة قد أودعت داخل المسجد المغلق المحاط ببعض الأثريات منها أجران حجرية كبيرة.

ويتهم وليد طه بلدية كريات شمونة الإسرائيلية بالمساس الكيدي المتعمد بالمسجد التاريخي المجاور لعين الذهب بغية محو موروث تاريخي عتيق لافتا إلى انتهاك حق العبادة وحماية المقدسات. وتابع: “إن تحويل المسجد إلى متحف يتناقض مع القيم الأساسية للديانات خاصة في ضوء الحقيقة أن المسؤولين عن تغيير هويته وروحه تجاهلوا مواقف ومشاعر السكان العرب والمسلمين في البلاد وكذلك الزائرين للمكان”.

وفي مذكرته استذكر النائب العربي في الكنيست وليد طه حكما سابقا للمحكمة الإسرائيلية العليا أنه بمقدور السلطة المحلية اتخاذ قرار حول استخدام ملك عام ولكن بعد دراسة والأخذ بالحسبان عدة اعتبارات وفق القضاء الإداري وسط امتناع عن العمل بدوافع واعتبارات غريبة لا سيما عندما يجري الحديث عن موضوع حساس من شأنه أن ينطوي على “مساس بالدين والعبادة والمساواة وبمشاعر دينية لأقلية دينية أو ثقافية”.

ويؤكد طه أن سلوك بلدية “كريات شمونة” يتناقض مع حكم المحكمة الإسرائيلية العليا واتهمها بالعمل مدفوعة باعتبارات غريبة ودون اعتبار لحساسية الموضوع وسط مسّ بصرح ديني أثري.

وتابع: “أدعوكِ لوقف فوري لأعمال الترميم والبناء وإصدار تعليمات بالحفاظ على الطابع الديني والتاريخي للمسجد”.

أكبر عملية اغتصاب وطن في التاريخ

ورد رئيس بلدية كريات شمونة افيحاي شطيرن على توجهات النائب وليد طه برسالة  قال فيها: “هذا طلب غريب ووقح ويهدف لخلق حالة نزاع وبناء رواية جديدة للمكان الذي يروي قصة المستوطنة كريات شمونة منذ قيام إسرائيل حتى اليوم. من خانته ذاكرته نذكره أن المبنى شكل في خمسينيات القرن الماضي صالة أفراح احتفل فيه سكان كريات شمونة بلحظاتهم الجميلة في حياتهم وخلال بناء أمتهم في إسرائيل. ولاحقا تحول المكان المملوك من قبل البلدية إلى محكمة أولى في المدينة وفي 1984 تم تدشين متحف داخله يروي تاريخ المدينة وتاريخ المستوطنين الأوائل مصدر فخرنا”.

يواصل: “متحف كريات شمونة رواية قصة بناء المدينة وبقائها هي وسكانها مقابل مخربين قتلة متعطشين للدم ممن حاولوا دون نجاح زرع الخوف ودفعنا للرحيل من هنا. لن نسمح لجهات ذات مصلحة تعتاش على أوكسجين الكراهية والتفتيت وتخريب علاقاتنا الحسنة مع جيراننا من كل الأوساط والطوائف”.

وعقب النائب وليد طه على هذا الرد باعتباره ردا وقحا وتابع: “هذا رد أشبه بالفضيحة أوله كذب وآخره كذب وهو محاولة للدفاع عن أكبر عملية اغتصاب تعرض لها وطن في العالم”.

ترميم عام 1935

ويوضح الدكتور عبد الرازق متاني لـ”القدس العربي” بناء على سجلات المحاكم الشرعية أن مسجد الخالصة بني في نهاية القرن التاسع عشر ولاحقا بنيت مئذنته على الطراز المعماري العثماني واعتاد سكان البلدة والقرى المجاورة في سهل الحولة على الصلاة فيه. ويشير لوجود مسجد وثلاثة مقامات ومقبرة إسلامية وهي مسجد الخالصة الذي تم ترميمه وإضافة المئذنة عليه عام 1935 ويشمل قاعة مستطيلة بابه من جهة الشمال تعلوه زخرفات مثلثية.

وتقع في جميع واجهات المسجد نافذتان في كل جانب أما المئذنة فهي غير مرتفعة دائرية الشكل يعلو الطابق الأول شرفة مستديرة يعلوها جزء ثان يغطيه قبة، يفتح بها مدخل استعمل من قبل مؤذن المسجد ويبلغ ارتفاعها 11.7 مترا. أما المحراب فيقع في منتصف الواجهة الجنوبية ويغطي المسجد سقف إسمنتي ودوامر حديدية. وتقع لجانب المسجد في جهته الشمالية غرفة حجرية صغيرة ربما استخدمها الإمام للاستراحة والإقامة وكذلك في الجانب الجنوبي هناك غرف استخدمت كحمامات.

أربعة مقامات

وبشأن المقامات  فهناك أربعة في رحاب البلدة الأول مقام ولي الله عطية أبو الهيجا ومقام الشيخ الخضر تقع أنقاضه في جنوب شرق البلدة ومقام الشجرات العشر على اسم الصحابة العشرة المبشرين بالجنة بعدما كانوا مروا من المكان وضربوا أوتاد خيامهم ولما رحلوا نمت الأوتاد وصارت شجرا وتسمى اليوم بالتسمية الإسرائيلية “حورشات طال” وهي محمية طبيعية وفي فترة الانتداب دأب سكان البلدة والمنطقة على الاحتفال بموسم خاص في شهر أغسطس/ آب من كل عام وترأس الاحتفالات الشيخ كامل الحسين أحد أكبر مالكي وزعماء منطقة الحولة. والمقام الرابع هو مقام الشيخ محمد بجوار المقبرة الإسلامية التاريخية.

ويتساءل مراقبون محليون: ألم يحن الوقت لأن يبادر فلسطينيو الداخل وفعالياتهم السياسية والأهلية لـ فتح معركة من أجل استعادة الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية التي تم السطو عليها داخل أراضي 48 ويستفاد من ريعها ليس بصالحهم؟ على ذلك قال النائب وليد طه إن الحركة الإسلامية ستعلن هذا الشهر عن جمعية خاصة تعنى بملف الأوقاف والمقدسات تحمل عنوان “أوقاف ومقدسات 48”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M