حزب “البام” يدافع عن الفتوى والتدين.. ويمارس الأستاذية على أحمد التوفيق!!

03 مارس 2024 09:25

هوية بريس – إبراهيم الطالب

تقدم حزب البام الذي تأسس على أنقاض حركة كل الديمقراطيين، بسؤال شفوي موجه إلى وزير الأوقاف في 26 فبراير 2024، يستنكر فيه فوضى الإفتاء في المجال الديني، ويطالب بالحد منها. جاء في نصه:

“تطالعنا في كل مرة فتاوى غريبة تصدر عن بعض الأئمة، أو المشرفين على المدارس العتيقة، وهذه الفتاوى، لا تقتصر على بيان الرأي من المسألة، التي قد تكون خلافية واجتهادية أو ظنية، بل يتم الإفتاء بعدم الأخذ بالآراء المخالفة، والتقرير بأنها مخالفة للشرع الحنيف ولمذهب أهل السنة، وفي أحايين كثيرة، تجنح الفتوى إلى الغلو فتتجاوز الموضوع إلى ترتيب آثار وخيمة عليه؛ ومن بين هذه الفتاوى الإفتاء بعدم الصلاة وراء الأئمة القائلين بجواز “المسح على التقاشير” ، ومن شأن هذا النوع من الفتاوى أن يؤلب الناس على أئمة المساجد المعروفة مواقفهم في الموضوع، وأن ينقل الخلاف من دائرة الرحمة والاجتهاد إلى فضاء الفتنة والتأليب، مع ما ينتج عن ذلك من آثار وخيمة ستخرج المسجد من دوره وحرمته ومكانته”.

نلاحظ بداية أن السؤال في هذه الفقرة يتحدث عن فتوى الشيخ مولود السريري، حول التقاشير والمسح عليهما، ويحذر من خلاله دمقراطيو وتقدميو حزب الأصالة والمعاصرة من الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب عن هذه الفتوى، حيث ستخرج الخلاف من دائرة الرحمة والاجتهاد إلى دائرة الفتنة والتأليب.

نسجل لحزب البام وللحداثيين وأغلب العلمانيين، أنهم يَشْكون مرار مِن نفاق المجتمع المغربي، وذلك لأن المغاربة يطالبون بمحاربة الزنا واللواط والخمور والقمار، في حين لا يستنكفون عن ممارستها بينهم، ومن ثَمَّ يطالب التقدميون بالقطع مع هذا النفاق المجتمعي ويضغطون بكل وسيلة على الدولة لإقرار حرية العلاقات المحرمة المسماة لديهم بالعلاقات الرضائية، دون اكتراث برفض المجتمع لها.

فإذا كانت هذه مواقفهم من أمور يعتبرها الشرع من الموبقات والكبائر، ونزلت فيها نصوص قرآنية تحرمها بالقطع الذي لا يحتمل الظن ولا يقبل الاجتهاد، فكيف يمكن أن نفسر فحوى هذا السؤال الموجه إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ودفاعهم عن المجتمع المغربي أنه سيفتنه الخلاف حول التقاشير، وأن ذلك تحريف للاجتهاد وإخراج له عن طبيعته المحكومة بالرحمة، ليصبح في دائرة الفتنة والتأليب؟؟

يمكن تفسير ذلك من خلال دراسة نفسية “الحداثي” و”الديمقراطي” المأزومة والمهزومة، فهو يلقَّن المعنى المادي للحداثة والديمقراطية والتي نشأت في سياق الصراع مع الدين في أوروبا، ويقوم بإسقاط نتائجه على المجتمع والإسلام والتاريخ المغربي.

لذى فهو ينتج كراهية وحقدا اتجاه كل ما هو ديني، وقد بلغ كرهه  لدينه وللمذهب المالكي ولتاريخ الأمة المغربية التي تأسست على الثوابت الدينية والعقدية الإسلامية، مبلغا جعله يتسنم  أكبر درجات النفاق. فصار لا يتورع عن مصادمة أحكام الإسلام الكبرى، بكل وقاحة وصلف، مع الدعوة إلى ارتكاب الجرائم والموبقات المحرمة شرعا والممنوعة قانونا مثل ما ذكرناه آنفا.

وإلا، كيف يمكن أن يقبل أي عقل مهما تساهل في البناء المنطقي لفكره، وجود حزب سياسي تخاف كائناته على الاجتهاد الشرعي وعلى المجتمع المغربي من الاختلاف حول المسح على التقاشير، في حين تطالب نفس الكائنات السياسية باستباحة الزنا واللواط والسحاق وشرب الخمر ومزاولة القمار؟؟

فهل كلامه في مثل هذا السؤال الشفهي هو دفاع عن الدين والفتوى؟ أم هو عبث ونفاق يتوارى خلفه الحداثي لتصفية خصومه الفكريين والسياسيين؟

إنَّ المغاربة لا يطالبون الحداثيين بأن يدافعوا عن الإسلام ولا عن مذهب مالك ولا عن ثوابت الأمة المغربية، بل يطلبون منهم فقط أن يكفوا عن المغاربة إفسادهم للحياة السياسية والفكرية والثقافية وينتهوا عن التلبيس الذي يمارسونه بخصوص الأسرة والدين والأخلاق.

لكن، يبدو أنهم من فرط الحقد الإيديولوجي ألفوا ممارسة النفاق بأنواعه.

ومن أجلّ مظاهره أنك تسمع “الحداثي” يرفض الغيبيات وينتقد العقائد الإسلامية، ويسخر من الإسراء والمعراج، ويدافع في نفس الوقت عن الخرافة المغرقة في التخلف بدعوى الانتصار للمشترك الديني للمغاربة، ففي نفس مقدمات السؤال الشفوي المذكور، استنكر حزب “البام” نقد بعض المحاضرين والأساتذة لموسم تمارس فيه طقوس شركية وينشر سدنته الجهل بين مرتاديه، وقد أدرج كاتبو السؤال نقد بعض الأساتذة لهذه المواسم لتقوية ادعاء الفوضى في إنتاج الفتوى، حيث جاء فيه: “ولم تبق هذه الفتاوي في هذه الحدود -أي موضوع التقاشير-، بل امتدت أيضا إلى الإفتاء بأن بعض المواسم الدينية، المندرجة في العرف السوسي المتأصل، مواسم شركية”.

ونتساءل: هل من ينتقد صلاة التراويح وصلاة العيد، ويقبل بحرية المعتقد ويجوِّز الإلحاد بين المغاربة يهمه أن توصم مواسم يستغاث فيها بغير الله ويذبح فيها لغير الله بأنها شركية أو توحيدية؟

وهل يفرق “الحداثي” أصلا بين التوحيد والشرك ما دام يقر الكفر بالله ويعتبره حرية اعتقاد؟

فلماذا كل هذه الغيرة على الدين إذن؟؟

إن الحداثيين يرغبون في إبقاء المغاربة ضحايا للمشعوذين وتجار الدين، وأسرى للخرافة، لذا لن تجد لهم نقدا للممارسات التي تشهدها المواسم، ولا الأفكار التي تنخر عقول المواطنين المغاربة، ولا للمعتقدات التي تعطل التفكير وتجعل الميت المقبور له القوة في إعطاء الرزق والولد وفي شفاء المرض وإنزال الغيث.

لماذا لم ينتقدوا مئات الملايير من الدراهم التي صرفت على تجديد الأضرحة وإحياء التصوف القبوري خاصة خلال 22 سنة الفارطة؟

الجواب: لأن ذلك حسب تصريحاتهم ستستفيد منه الحركات الإسلامية، والتيارات السلفية، هذا مع قناعتهم التامة بأن الإبقاء على التدين الصوفي الذي يسكن المواطنين ويغلف عقولهم، هو الحل حتى لا يلتحق من يبحث الصفاء الروحي والإشباع الديني بصفوف الإسلاميين، وبهذا -حسب نظرهم القاصر- يتم تحويل ملايين الناس للتعبد الفرداني، الذي لا يوجد معه أي نوع من المزاحمة السياسية والسجالات الفكرية.

فهم يعتبرون أن غياب اهتمام الدولة بالمجال الدين والصوفي، بالخصوص قبل أحداث 16، ماي هو الذي فتح المجال للإسلاميين والسلفيين ليتغلغلوا في المجتمع، وكأن حداثتهم الليبرالية واشتراكيتهم المنبطحة للرأسمالية والأفكار الحداثية هي التي تتحلى بالأصالة والوجاهة.

ثم نستمر في التساؤل: لماذا يستميتون في الدفاع عن الفتوى؟

الجواب: لأنها الوسيلة الوحيدة للإجهاز عليها، وتعطيل دورها في الحدِّ من “فتاواهم” الحداثية الهادمة للدين والأسرة.

فلو كان حزب البام صادقا في ادعاء انتصاره للفتوى وللدين، لطالب وزير الشؤون الإسلامية بتفعيل هيئة الفتوى في المجلس العلمي الأعلى تفعيلا يليق بتاريخ المغرب، فالفتوى هي من مستلزمات وجود الدين وإمارة المؤمنين، فهل يقبل الحداثيون اللادينيون توظيف المجلس العلمي الأعلى للفتوى في حكم من يدعو إلى الإلحاد، ومن يطالب بحقوق اللواطيين، ومن يجعل من الكبائر حريات فردية؟

وهل يوافق حزب البام على تفعيل الدور الحقيقي للفتوى في المجال الاقتصادي والحقوقي والاجتماعي؟

ثم انتقل “السؤال الفضيحة” إلى ممارسة نوع من التحريض البئيس في تباكٍ على حرمة الشأن الديني قائلا: “إن هذا التطاول على الشأن الديني، مع ما له من حرمة، وعلى شأن الإفتاء المصان والممركز قانونا، يستدعي القيام بإجراءات غايتها حماية تدين المغاربة، وفهمهم للدين، خارج هذا الامتداد الغريب للمذاهب الدخيلة ولغلو الآراء، والضرر الجسيم لمآلاتها. لهذا نسائلكم السيد الوزير عن الإجراءات التي اتخذتها وزارتكم بخصوص ما تم بيانه؟”.

صراحة؛ والله نؤيدكم في هذه، ونطالب وزير الأوقاف “بإجراءات واضحة لحماية تدين المغاربة وفهمهم للدين”، فعلى وزير الأوقاف أن يسمع في هذه ويطيع حزب البام، ويتخذ إجراءات صارمة لتقديم مشروع قانون يحمي الأسرة من دعاوى الحريات الفردية التي تهدد الدّين، وتخالف القطعي من أحكام الشرع، وتنقض ما استقر العمل به لقرون من أحكام المذهب المالكي، عليه أن يضع سياسة أخلاقية تحمي الأسرة من دعاوى العلمانيين، عليه أن يعلم أن وظيفته هي حماية عقيدة المغاربة من دعاوى الإلحاد والتطبيع مع الكفر وتسويته بالإيمان والتوحيد. فما الذي يهدد الدين والعقيدة يا ترى وما الذي يتطلب تدخل حماية وزير الأوقاف؟

هل هو الخلاف حول المسح على التقاشير؟

أم عليه أن يحمي دين المغاربة من دعاة الفكر والعقيدة التي يستوي عندها الطهر والعهر، والحسنة والسيئة، وتسوي بين الرذيلة والفضيلة، وتدعو لكل موبقة كانت في الأمم السابقة واستحقت من أجلها العقوبة، وقد سجل ذلك القرآن حتى يبين لنا سنن الذين ماتوا من قبلنا؟؟

وإن تطويع الشعب المغربي للمنظور الغربي للكون والحياة والإنسان، هو الذي يحكم مطالب الأحزاب اللادينية، لذا نرى نفس النفاق ونفس المنهج في الحوار، عند نقاش تزويج المرأة التي لم تبلغ بعد سن الثامنة عشر، فهي إن مارست الجنس في السادسة عشرة فلا بأس ولا عقاب، المهم ألا تمارسه في إطار الزواج فقط.

إننا في المغرب لسنا أمام مطالب لمغاربة ينطلقون من مقومات هوية المغرب ودينه وتاريخه ليصلحوا ما طرأ على المجتمع وما اعتراه من مشاكل وآفات، إننا أمام دكاكين حقوقية وسياسية تتكلم بلسان الأمم المتحدة، خصوصا الرأسمالية التي تدير مشروع علمنة العالم وإخضاعه للمفهوم الغربي الذي تأسس على القطع مع الدين والله والسماء، وجعل الإنسان منفصلا عن الدين، خاضعا للقانون الذي تعدله الأحزاب رويدا رويدا لتجعل منه عبدا خاضعا في مأكله ومشربه ولباسه وتصريف شهوته لما يضعه فلاسفة اللادينية من تصورات.

من هنا تتضح أهداف السؤال الشفوي الذي تقدم به حزب البام إلى وزير الأوقاف انتصارا لتدين المغاربة وحماية للفتوى.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M