حوار مع الباحث د. محمد بنلحسن حول أزمة المرسومين وتداعياتهما على أساتذة الغد، ومنظومة التربية والتكوين

06 فبراير 2016 20:42
لماذا يجب أن ندين الانقلاب؟

حاوره: حسن إدريسي

هوية بريس – السبت 06 فبراير 2016

د. محمد بنلحسن أستاذ التعليم العالي مؤهل بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس نشكركم على قبول الدعوة.

تشهد المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين هذه السنة احتجاجات غير مسبوقة منذ حوالي ثلاثة أشهر، طالب من خلالها الأساتذة المتدربون بإسقاط مرسومي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني اللذين تقرر بموجبهما فصل التكوين عن التوظيف وتقليص المنحة، واجهتها الحكومة المغربية بتدخلات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عنيفة خصوصا ما حدث فيما بات يعرف “بالخميس الأسود” حيث خلفت عدة إصابات كانت بعضها خطيرة كما هو الحال مع الأستاذة المتدربة لمياء والأستاذ المتدرب الخمار الصالحي بمركز إنزكان. وهو ما خلف ردود فعل مستنكرة من مختلف المنظمات الحقوقية والنقابية والمنابر الإعلامية الوطنية والدولية.

س: أستاذ ما تعليقكم على تلك الأحداث وما تلاها خصوصا بعد قسم عبد الإله بن كيران وتأكيد الحكومة على عدم التنازل أمام تشبث الأساتذة المتدربين بمطلب إسقاط المرسومين؟

ج: في الحقيقة نحن أمام سنة تكوينية استثنائية بكل المقاييس؛ منذ انطلاق تجربة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين مع الموسم التكويني 2012/ 2013، لا يمكن لأي أستاذ مكون بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، إلا التعبير عن الأسف الشديد، والاستياء الكبير، بسبب الهدر الخطير الذي طال زمن التكوين التأهيلي لأساتذة وأستاذات المستقبل، لقد كنا نعتبر أن سنة واحدة غير كافية بتاتا لاكتساب الكفايات المهنية الأساس لممارسة مهنة التدريس، و ها نحن اليوم، أمام موسم تكويني منقوص، وقد انسلخ منه زهاء أسدس بدون تكوين!

بالنسبة للمرسومين المذكورين، فقد انبعثت منهما رائحة المقاربة الأحادية في التدبير؛ انطلاقا من السياق الزمني لصدورهما مع نهاية السنة الدراسية الماضية، وبالضبط في 23 يوليوز 2015، حيث تم تغييب أطر هيئة التدريس، والإدارة في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، خلال صياغتهما، كما أنه حصل تجاوز يتنافى مع المقاربة التشاركية إثر تغييب هياكل هذه المراكز؛ لاسيما، مجالس المؤسسات ؛ والتي نص عليها، وعلى مهامها القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي.

إني أستغرب كيف أبعدت الحكومة النقابات خلال إعدادها هذين المرسومين، ثم عادت للاستنجاد بها بعد اشتداد الأزمة؛ طلبا للمساعدة في حل المشكل.

وبخصوص تعنيف الطلبة الأساتذة الذين تظاهروا بشكل سلمي ضد المرسومين، والذي لقي كما ذكرتم، موجة عارمة من الاستنكار؛ فإنني أعتبره تراجعا عن المكتسبات الحقوقية التي راكمتها بلادنا من خلال دستور 2011؛ الذي يعتبر متقدما في منطقتنا العربية.

أما مسألة قسم الوزير الأول، وتشبث كل طرف بموقفه، فلا أعده متوافقا مع المنهجية الديموقراطية في التدبير، لذا أرى الجلوس إلى مائدة الحوار غير المشروط، هو البديل الناجع والفعال لحل المسائل العالقة مع اعتماد آلية الإقناع.

س: ذكرنا سالفا أن الحكومة تمسكت بموقفها الرافض للتنازل عن المرسومين وبالموازاة مع ذلك هددت في غير ما مرة بسنة بيضاء مع حرمان هذا الفوج من الوظيفة وتعويضهم بالمجازين (المجازين في برنامج تكوين 10 آلاف إطار في مهن التربية والتكوين) إذا ما استمروا في مقاطعة الدراسة. ما النتائج التي يمكن أن يخلفها هذا القرار على السنة التكوينية بالمراكز؟

ج: أظن أن الحوار الجدي بدون شروط مسبقة هو الأسلوب الوحيد للوصول إلى حلول في هذا الملف، ومسألة تعويض طلبة هذا الفوج في حال استمرارهم في الإضراب، بالمجازين، غير ممكنة من الناحية القانونية؛ لأن المرسوم رقم 588-15-2 بتغيير المرسوم رقم 854-02-2 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، ينص على تنظيم مباراة لفائدة المترشحين الحاصلين على شهادة التأهيل التربوي للتعليم الأولي، والتعليم الابتدائي، وشهادة التأهيل التربوي للتعليم الثانوي الإعدادي، وشهادة التأهيل التربوي للتعليم الثانوي التأهيلي، المسلمة من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، فإذا أرادت الحكومة فتح المباراة في وجه المجازين المكونين في إطار برنامج عشرة آلاف إطار في مهن التربية والتكوين؛ ردا على الطلبة المضربين ، فيجب عليها أولا تعديل المرسوم الآنف الذكر، ولا أظن الإقدام على هذا الإجراء سيكون خاليا من المخاطر ، فإذا كنا سنعدل أحد مرسومي 23 يوليوز 2015، فالأولى تعديلهما من أجل البحث عن حل لمشكلة التي نشأت بعد صدورهما، لا أن نسعى لتأزيم الوضع.

إن هذا التعويض في حال اللجوء إليه، سيكون مسا خطيرا بمهام المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والعاملين بها، وتعطيلا لمواردها البشرية التي تناهز 1300 أستاذا مكونا وأستاذة مكونة، وهو الأمر الذي قد يدفع للتساؤل حول جدوى إرساء هذه المراكز بعد تجميع المراكز التربوية الجهوية ومراكز تكوين المعلمين والمعلمات سابق.

س: ألا ترون أن الحكومة بهذا القرار تحاول الإيقاع بين المجازين والأساتذة المتدربين لتصريف الأزمة دون التفكير في عواقبه على السلم الاجتماعي؟

ج: في الحقيقة من السابق لأوانه الجزم بأنه قرار حكومي، كما أن تأويل الفكرة بأنها محاولة لنسج وقيعة بين المجازين الأساتذة المتدربين يحتاج لدلائل وقرائن واضحة لا أتوفر على ما يؤكدها.

س: الأساتذة العاملون في المدارس متخوفين من مسألة السنة البيضاء في مراكز التكوين لأن ذلك حسب بعضهم سيكون له تأثير مباشر على الحركة الانتقالية لهذه السنة. إلى أي حد ترون أن تخوفاتهم صحيحة ومقبولة؟

ج: أظن أن الأحياز الزمنية المتبقية لا تدفعنا للتشاؤم حول مصير السنة التكوينية، لازال بإمكان الحكومة وممثلي الأساتذة المتدربين، الوصول للحل عن طريق الحوار ؛ من أجل إنقاذ الموسم التكويني، أما تأثير السنة البيضاء على الحركة الانتقالية للأساتذة العاملين الآن بالمؤسسات العمومية، فهو أمر لا نملك بشأنه معطيات دقيقة تساعدنا على معرفة أحجام الضرر الذي يمكن أن يلحق طلبات الانتقال من جراء عدم تعيين الخريجين الجدد، لكن وجبت الإشارة إلى أن المتضرر الأكبر من عدم تخرج الأساتذة المتدربين خلال نهاية هذا الموسم، هم التلاميذ بالمؤسسات التعليمية المحدثة بربوع بلادنا، أو تلك التي تعرف خصاصا في عدد الأساتذة، ناهيك عن المؤسسات التعليمية التي تشهد ظاهرة الاكتظاظ.

س: أكد عمر المرابط عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في فقرة “وجها لوجه” التي جمعته بعضو التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين شيماء الأحمر على قناة فرانس 24 بعنوان “المغرب.. هل تلبي مقترحات الحكومة مطالب “أساتذة الغد”؟ على أن الحكومة بإصدارها للمرسومين تحارب الفساد والريع. متهما الأساتذة بعدم احترام القانون. إلى أي حد تبريراته واتهاماته صحيحة؟

ج: أتساءل، ما علاقة التوظيف بعد التكوين، بالريع والفساد؟

توظيف الأساتذة بعد التخرج من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ظل يخضع منذ انطلا قتها مع الموسم التكويني 2012/ 2013، لمعايير الكفاءة والاستحقاق، بناء على امتحان التخرج بشقيه الكتابي، والعملي بمؤسسات التطبيق، والمراقبة المستمرة ، أما القول بعدم احترام الطلبة للقوانين ، فلا أدري أي قانون يقصد، هل قانون التظاهر ، أو المرسوم رقم 588-15-2 بتغيير المرسوم رقم 854-02-2 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، الصادر في الجريدة الرسمية بعد اجتياز الأساتذة المتدربين مباراة الدخول للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ؟

س: ما السيناريوهات التي يمكن أن ينفتح عليها ملف أساتذة الغد في ظل الوضع الحالي (تشبث كل طرف بموقفه)؟

ج: ليس هناك سيناريو أسوأ من الذي ذكرتم آنفا، أي الإعلان عن سنة بيضاء،

وفي حال إلغاء مباراة الولوج لهذه السنة، فوضعية الأساتذة المتدربين، ستكون أخطر من الطلبة الذين يواجهون سنة بيضاء في الكليات والمدارس، لأنه لن يصير بمكنتهم العودة من جديد للتكوين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وأنا في الحقيقة لدي إحساس يستبعد هذا المآل.

س: ما الحلول الممكنة من وجهة نظركم لتجاوز هذه الأزمة؟

ج: بالنسبة للحلول الممكنة، فأقترح الشروع في حوار غير مشروط، واعتبار الدفعة الحالية غير معنية بفحوى المرسومين اللذين صدر أحدهما بعد إجراء المباراة، أدعو لفتح نقاش حقيقي مع ممثلي الأساتذة المكونين في مجالس المؤسسات بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؛ بخصوص منهجية فصل التكوين عن التوظيف دون التأثير سلبا في جودة التكوين التأهيلي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.

وبالنسبة للمقاربة الحكومية الداعية لتشجيع التكوين والرفع من نسب الطلبة المكونين، فلا يجادل أحد في أهمية التكوين التأهيلي ومنافعه؛ لكن يجب أن يتم وفق شروط ومقتضيات مغايرة لتلك التي بني عليها المرسومان.

إن سنة تكوينية غير كافية بتاتا لتأهيل أساتذة الغد بمواصفات جيدة، وحتى يتسنى لمراكز تكوين الأطر الاضطلاع بهذه المهام الجسيمة، يجب إرساء نظام إجازة ماستر دكتوراه (LMD) بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، مع فتح مباراة الإجازة في مهن التربية والتكوين، أمام التلاميذ المتفوقين الحاصلين على شهادة الباكالوريا.

س: إذا عرفت المشكلة التي تسبب فيها المرسومان طريقها للحل قريبا ، هل يمكن للأساتذة المتدربين تدارك ما فاتهم خلال الأسدس الأول؟

ج: نرجو من الله أن يتم حل المشكل في القريب العاجل بعد تغليب لغة الحوار الإيجابي بين الطرفين، أو الأطراف المعنية بهذا الملف، وأرى أن بذل الجهود المضاعفة من أجل إنقاذ الموسم التكويني، خير من ضياعه والذي سيكون بمثابة كارثة غير مسبوقة ستحل بمنظومتنا التربوية وبجميع شركائها.

سيكون على طاقم التكوين سواء بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، أو في مؤسسات التطبيق؛ الابتدائية والاعدادية والثانوية، بذل جهود كبيرة من أجل تدارك الهدر الزمني الذي حصل، لكن قبل ذلك سيتطلب الموقف إعادة تأهيل الأساتذة المتدربين نفسيا من أجل تحريك حوافزهم ودافعيتهم نحو المهنة والتي نالت منها مدة الانقطاع عن التكوين بفعل الاحتجاج ضد المرسومين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأستاذ محمد بنلحسن أستاذ التعليم العالي مؤهل بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس نشكركم على رحابة صدركم وكرمكم وتفاعلكم وإلى فرصة قادمة بحول الله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M