فشل قمّة الجزائر هو دليل نجاحها…!

04 نوفمبر 2022 07:35

هوية بريس – عادل بنحمزة

أُسدل الستار على القمة العربية التي احتضنتها الجزائر والتي نظمت بعد تأجيل تكرر مرات. القمة اختارت لها الجزائر شعاراً إنشائياً وهو “لمّ الشّمل”. تقديري أن تنظيم الجزائر القمة تحت هذا الشعار هو دليل كاف على فشلها، وإن كان ذلك للحق ليس مسألة تقتصر على الجزائر فقط، ولكن لأن الوضع العربي العام والتعقيدات والتحولات التي يعرفها العالم في ظل التحولات الجيواستراتيجية التي لم تنته بعد، تظهر عجز منظومة القمة العربية ومعها الجامعة العربية عن مواكبة ما يحدث حول المنطقة ويفرض عليها ضغوطاً قوية، هذا الأمر استوعبه كثير من الدول، لذلك راحت تبحث عن بدائل، سواء ذات طابع جماعي إقليمي أم ذات طابع خاص أم متعدد الأطراف، وللصدفة فإن أغلب هذه الدول لم يحضر قادتها إلى قمة الجزائر لأسباب مختلفة.

الإشكال الأبرز الذي طبع قمة الجزائر، هو كونها تحولت إلى هدف في حد ذاته يتعلق بوهم تسويق صورة جديدة عن الجزائر التي بدأ تأثير ارتفاع أسعار المحروقات يظهر في سلوكها السياسي، بخاصة على المستوى الخارجي، إذ تريد النخبة الحاكمة في الجزائر استرجاع مساحات للعمل الدبلوماسي اقتطعت منها أثناء الولايتين الأخيرتين للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والغالب على القيادة الجزائرية أنها تعيش في زمن مضى وتغرق في حالة من الاغتراب بالشعارات نفسها، وبلغة التحليل نفسها وبالمنظار نفسه للقضايا العربية المعقدة، والتي زاد تعقيدها على مر العقود الماضية.

فأن تحمل الجزائر شعار “لمّ الشّمل”، وهو للتذكير الشعار نفسه الذي اختارته عندما جمعت قبل أشهر التيارات الفلسطينية، يوضح درجة الشيزوفرينية التي تعانيها القيادة الحزائرية، إذ كيف يمكن لبلد يوقع على وضع شاذ، ليس فقط على مستوى العالم العربي بل على المستوى الدولي، والمتمثل في إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، بما فيها الطيران المدني ويقطع علاقاته الدبلوماسية مع بلد جار هو المغرب، ويحتضن منذ 47 سنة ميليشيات مسلحة توجه سلاحها نحو المغرب، أن يأتي ويقول إنه يريد جمع شمل العرب؟ هذا التناقض يرشح وحده سبباً لكي تكون أي قمة عربية تحتضنها الجزائر على الخصوص، قمة فاشلة، ولو أن الفشل هو صفة ملازمة، مع الأسف، للعديد من القمم العربية في السنوات الأخيرة، ذلك أنها فقدت قدرتها على التأثير في الحوادث، ويبدو أن فشل قمة الجزائر هو دليل نجاحها…

الجزائر الحريصة جداً (…) على وحدة الصف العربي ولمّ الشّمل، وضعت كل العراقيل الممكنة، من جهة للتشويش على المشاركة المغربية، ومن جهة أخرى محاولة نقل أجندتها الخاصة في العداء للوحدة الترابية للمملكة إلى جامعة الدول العربية، ولم تستثن في التشويش الذي بلغ حد المنع العملي للصحافة المغربية التي عاد ثلثا وفدها مباشرة من المطار، لكن مع ذلك، وحيث إن الخارجية الجزائرية سعت إلى محاصرة المشاركة المغربية، فإنها وقعت في عكس ما كانت تسعى إليه، إذ تابع الجميع اعتذار الجامعة العربية واعتذار التلفزيون الرسمي الجزائري عن نشر خريطة المغرب من دون صحرائه، بعذر يثير السخرية ويوضح درجة الارتجالية ومنطق العداء الذي يقود الدبلوماسية الجزائرية.

بغض النظر عن كل هذه التفاصيل وتفاصيل أخرى، كان الإعلان الختامي للقمة والذي حمل اسم “إعلان الجزائر”، يمثل إدانة إضافية للنخبة الحاكمة في الجزائر في عدد من القضايا التي ترتبط بالمغرب، ففي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تحاول القيادة الحالية في الجزائر تحويلها إلى أصل تجاري في استعارة مثيرة للشفقة لخطاب وممارسات من زمن الأنظمة الشمولية العربية التي تاجرت طويلاً بالقضية الفلسطينية، فقد أكدت القمة بوضوح “ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها، والدفاع عنها في وجه محاولات الاحتلال المرفوضة والمدانة لتغيير ديموغرافيتها وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها… وكذا دور لجنة القدس وبيت مال القدس في الدفاع عن مدينة القدس ودعم صمود أهلها”، هذه الفقرة الأولى في “إعلان الجزائر” تعترف بجهود المغرب الكبيرة في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وفي معركة الهوية التي تعتبر مواجهة يومية مع مشاريع تهويد القدس، وذلك من خلال لجنة القدس التي يرأسها العاهل المغربي محمد السادس، وأيضاً عبر بيت مال القدس، علماً أن القيادة الجزائرية، على مر السنوات الأخيرة، استثمرت في خطاب حاول تصوير المغرب كمتآمر على القضية الفلسطينية، بخاصة بعد الاتفاقيات التي وقعت بين المغرب وإسرائيل، لذلك فهذه الفقرة تعتبر إدانة للجزائر.

أما في ما يتعلق بالأوضاع في الوطن العربي، فقد جاء صريحاً في الإعلان ما يلي: “العمل على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية والمائية والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية ويلبي تطلعات شعوبها في العيش الآمن الكريم”، هذه الفقرة بدورها تمثل إدانة الجزائر التي لا تدخر جهداً في المس بوحدة التراب الوطني للمملكة وفي سلامة أراضيها.

وفي ما يتعلق بتعزيز العمل العربي المشترك وعصرنته، نص الإعلان على “الالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي، وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التي تتيحها، بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، تمهيداً لإقامة الاتحاد الجمركي العربي”. فكيف لبلد يقطع العلاقات الدبلوماسية ويغلق الحدود ويقطع مرور الغاز عبر التراب المغربي إلى أوروبا، أن يكون منخرطاً فعلياً في التكامل الاقتصادي وتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية وإقامة اتحاد جمركي عربي؟

في ظل الحالة الراهنة التي عليها العلاقات المغربية – الجزائرية، تصبح هذه المقتضيات في البيان عنوان فشل كبير والقمة هي أمر كان يجب أن يتم فقط… لذلك فإن مثل هذه الفقرات هي ما يوضح حدة ازدواجية الشخصية التي تسم القيادة الجزائرية وتجعلها خارج الزمن مهما حاولت وضع مساحيق، فإنها لا تخفي حجم التشوّهات التي تميزها وهي بحاجة إلى علاج حقيقي…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M