فصل المقال فيما بين التمر والكيف من انفصال

07 أبريل 2016 22:29
فصل المقال فيما بين التمر والكيف من انفصال

عبد الكبير حميدي

هوية بريس – الخميس 07 أبريل 2016

حين حدد فقهاء الأمة -رحمهم الله- سن التمييز ببعض الأمارات، كأن يميز الصبي بين البقرة والحمار، لم يكن يدور بخلدهم  إمكانية أن يأتي زمان يعيش فيه صنف من الناس يخلطون بين التمر و”الكيف” ولا يفرقون بينهما، ولم يكونوا يتوقعون أبدا أن يصبح هذا الصنف من الناس زعماء سياسيين يقودون أحزابا ويرأسون جهات، بل لم يتخيلوا يوما أن يظهر في آخر الزمان أعشار فقهاء يقيسون “الكيف” على التمر بدون علة، فيعطونهما نفس حكم الإباحة، ويعتبرونهما معا من جملة الطيبات، وإلا لكان لهم في الموضوع رأي آخر.

غير أن ما لم يتخيله الفقهاء في زمانهم قد حصل بالفعل، ولم يحصل في مناسبة عارضة أو حديث عابر، بل حصل في مؤتمر دولي، أمام الأضواء والكاميرات، وأمام نخبة من العلماء والخبراء، من داخل المغرب وخارجه، حيث قام السيد إلياس العماري رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، والأمين العام لحزب البام، خطيبا في المشاركين، يعدد لهم منافع القنب الهندي (الكيف)، التي تربو في نظره عن الخمسين منفعة كفيلة بأن ترفع عن زراعته والاتجار فيه شبهة الجريمة، وتجعله مادة عادية نافعة إلى غير رجعة، وقد بالغ المتحدث في الدفاع عن “العشبة”، وتعداد إيجابياتها ومزاياها، واستبد به الحماس لها، إلى درجة أنه تساءل سؤالا استنكاريا قال فيه: “إذا كان الكيف ممنوعا قانونا، لإمكان استعماله استعمالا سيئا، فلماذا لا نمنع التمر أيضا، لقابليته لنفس الاستعمال السيء؟!!!”، وهكذا يكون الفقه والرأي والعبقرية والنبوغ وإلا فلا.

يظهر أن السيد العماري لم يستوعب درسا سابقا من دروس التربية الإسلامية في المستوى الإعدادي، يتحدث عن “تحريم الخمر في الإسلام”، وربما يكون قد غادر الدراسة قبل إنجازه، يتحدث الدرس في إحدى فقراته عن علة تحريم الخمر، انطلاقا من قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما)، ويخلص إلى خلاصة مفادها: “رغم إقرار الإسلام للخمر والميسر (القمار) ببعض المنافع، إلا أنه حرمهما لأن أضرارهما أكبر من منافعهما، فاعتبر كلا منهما مفسدة، ذلك أن القاعدة الشرعية: أن المصلحة هي ما غلب نفعه على ضره، والمفسدة ما غلب ضره على نفعه”. فهل يستطيع السيد العماري -لو قرأ هذا الدرس وفهمه- أن يضع “الكيف” في خانة المصالح؟ وهل يستطيع أن يزعم أن منافعه أكثر من أضراره؟ وهل يستطيع أن يقيسه على التمر كما زعم؟.

إذا استمر السيد العماري على حماسه المفرط لعشبة “الكيف” ودفاعه المستميت عنها، وإذا أصر على قياسه الفاسد وتوأمته الجائرة بين “الكيف” والتمر، ولم يتواضع ليراجع درس التربية الإسلامية آنف الذكر، فلا يبعد في العام القابل أن يعقد مؤتمرا لتوأمة الخمر والشاي، وآخر بعده لتوأمة لحم الخنزير بلحم العجل، حتى لا يبقى هنالك شيء محرم، وحتى يتعاضد الحلال والحرام في فتح آفاق تنموية أوسع وفرص استثمارية أرحب بجهة طنجة تطوان الحسيمة.

ولئن كان السيد العماري قد أخطأ القياس وأساس الرأي بالاعتبار الفقهي القانوني، فقد أخطأ القياس وأساء الرأي أيضا بالاعتبار الدستوري التنموي، لأنه -وهو يحضر لمؤتمر تزويج التمر بـ”الكيف”، الذي هو زواج إكراه باطل، لافتقاره لقبول الزوجة (التمر)- لم يضع في الحسبان، أن نتائج المؤتمر وتداعياته لا تقتصر على الجهة التي يرأسها، بل تمتد إلى جهات أخرى، منها على الخصوص جهة درعة تافيلالت أكبر جهة منتجة ومصدرة للتمر بالمغرب، لأن مغامرة توأمة التمر و”الكيف” لو فشلت في شرعنة “الكيف”، وذلك المتوقع، لأدى ذلك ربما إلى تجريم التمر ومنعه، أو على الأقل إلى التشكيك في حليته وإباحته، فيكون السيد العماري قد أخل بمبدإ التكافل والتكامل بين الجهات المنصوص عليه دستوريا، لأنه سعى إلى بناء جهته على أنقاض جهة أخرى، وفي هذه الحالة يصبح من حق سكان جهة درعة تافيلالت أن يستنكروا هذا الزواج الباطل وهذه التوأمة المشؤومة، التي تمت من جانب واحد ولم يؤخذ فيها رأيهم، وأن يهبوا لنصرة “فكوسهم” و”مجهولهم” و”خلطهم” قبل فوات الأوان.

يتحدث العلامة ابن خلدون في “مقدمته” عن قانونين اجتماعيين لنجاح الأفراد والجماعات، هما: الاستماتة، والاستبصار، ويعني بالأول العزم والإصرار والهمة العالية، وبالثاني: العلم والفهم والنظر الثاقب، وعندما يتوفر أحد الشرطين دون الثاني، يصبح المرء كطائر يطير بجناح واحد، يوشك أن يقع على الأرض فيهلك ويهلك، أو يكون كمن خر من السماء، فتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M