لا تكثروا على الفقيه عبد الله بن بية… فهو في هذه كغيره في أخرى…

25 أغسطس 2020 13:18
السيرة النبوية على ضوء شرطنا التاريخي.. قراءة في كتاب “متطوع مكة”

هوية بريس – محمد زاوي 

لكل دولةٍ فقهاء، تتمثل أدوارهم في الآتي:

– تبرير قرارات الإدارة بالقول الفقهي.

– تنظيم المجتمع بالفتوى والخطاب الأخلاقي والعقدي المناسب.

– الإشارة على الحكّام بما يبدو لهم من قول سديد أو قصور فهم (وهذا ما يسمى في “السياسة الشرعية” ب”النصيحة”).

سينتفض كثيرون بقولهم: “ما هكذا ينبغي أن يكون الفقيه، وإلا تحول إلى فقيه سلطان”. ونحن نقول:”إنه كذلك، وإلا لما كان فقيهَ دولة. إنه في حاجة إلى من “يحقق مناطه” في السياسة والاقتصاد والاجتماع، في الدولة والمجتمع معا. وإنْ لم يكن تابعا لساسة الإدارة في الدولة، فإنه سيكون تابعا لا محالةلمنظري وزعماء الحركات والأحزاب في المجتمع. وهكذا، فإننا لا نحكم على رجعية الفقيه أو تقدميته إلا بتحديد مصلحة الجهة التي يخدمها: فهل هو يخدم الطرف الرجعي في التاريخ؟ أم الطرف التقدمي فيه؟ وكما أن في المجتمع أطرافا رجعية، فإننا نجدها في الدولة أيضا، ولكل ذلك شرطه التاريخي الخاص والعام.

إننا نعيش اليوم في شرط عام يؤطره التناقض بين: الرأسمالية الغربية المتوحشة المحتضَرة، وبورجوازيات دول الجنوب تجرّ معها إلى هذه المعركة ما تحتها من فئات وطبقات اجتماعية.

كما أننا نعيش في الشروط الخاصة لكل دولة من دول الوطن العربي على حدة، فهذه لم تستكمل وحدتها الترابية بعد (المغرب)، وهذه تعيش على وقع مشكل المياه وتهديدها من حدودها الغربية (مصر)، وهذه محتلة بقاعدة عسكرية ومخابراتية غربية منذ عام 1948 م (فلسطين)، وهذه مهددة من حدودها الأقرب إليها شيعيا وخليجيا وفي مقدراتها وثرواتها وخاماتها (السعودية)، وهذه مهددة بالتطرف والإرهاب بعد أن أحلوه بها تحت قناع “الثورة على استبداد حكم البعث” (سوريا)، وهذه استبيح نفطها وغازها الطبيعي بعد أن أمّمهما العقيد الشهيد (ليبيا)، وهذه أصبحت ملاذا للفوضى تحت قناع “ديمقراطية لا تعكس إلا فوضى المجتمع” (تونس)، وهذه أصبحت أجزاء بعد أن وحّدها الزعيم صدام حسين بالحديد والنار (العراق)، وهذه غدت تنتج العولميين والعملاء –بعد أن كانت تنتج أمثال مهدي عامل وحسين مروة وجورج حاوي-لولا ما تنقذه “المقاومة الجنوبية” من ماء وجهها (لبنان)، وهذه أصبحت تشكل ملاذا لتهديد السعودية “حوثيا” من حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية (اليمن)… إلخ.

هل هذا هو الواقع الذي سننصر به فلسطين والشعب الفلسطيني؟

هل هذا هو الواقع الذي سنرفض فيه “التطبيع” ونواجه فيه “خيانة من خان الوطن العربي”؟

أي فعلٍ أنتج هذا الواقع المتأخر؟

إن الذين ساهموا في إنتاج هذا الواقع، وأضعفوا “الوطن العربي” وجعلوه عرضة للابتزاز والتجزئة؛ أولئك هم الذين يصدّعون رؤوسنا اليوم باستنكار تطبيع “الإمارات العربية المتحدة”. وفيما تقْدِم الإمارات على هذه الخطوة المرفوضة عربيا وإسلاميا، فقد أقدموا هم على خطوات سابقة أفظع منها. تسعى هي إلى إنجاح مقترح ترامب على حساب حقوق الدولة والشعب الفلسطينيين والوطن العربي ككل، فيما سعوا هم قبلَهاودون أن يحاسبهم أحد –وما زالوا يسعون-إلى استباحة كل دولة ذات سيادة بإنفاذ “الفوضى الخلاقة” كسياسة رجعية لأكثر الأطراف رجعية في الداخل الأمريكي وفي العالم ككل.

وحيث اعتبِر فقهاؤهم أبطالا وثوارا ومناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية، لما أفتوا أيام “فتنة الربيع” بقتل معمر القذافي، ولما قالوا بخيانة محمد سعيد رمضان البوطي ل”لشعب السوري”، ولما دعوا إلى أن تشتعل نيران الفتنة في كل مكان؛ حيث اعتبروهم كذلك، ها هم اليوم يعتبرون الفقيه ابن بية “مطبعا ومبرّرا لخيانة قضايا الأمة”. وما ذنب ابن بية إذا ستر “خيانة آل نهيان وآل مكتوم” بقناع “سلام الإسلام” كما ستر خصومه قَبْله خيانة “آل ثاني” بقناع “حرية الإسلام”؟ ذنبه الوحيد هو أن الخيانة الأولى استعصت على الاستتار، فيما استعصت الثانية على الإيجاد والإظهار. والحقيقة أن الخيانةَ خيانةٌ، مهما استترت، ومهما ألبِست من أقنعة.

ليست الإمارات وحدها التي تستقطب الفقهاء وتوظفهم لصالح سياساتها، بل إن قطر تفوقت عليها في ذلك، وهما معا يختلفان عن السعودية. فإذا كانت هذه الأخيرة مستقلة بفقهائها ومفتيها ومؤسساتها الدينية، فإن الإمارات وقطر تفتقران إلى ذلك، ما جعلهما يتهافتان على فقهاء ذوي شرعية وشعبية لتبرير سياساتهما بالقول الفقهي. فكم من فقيه رفض أن يكون “فقيه سلطان” في وطنه، ليجد نفسه “فقيه سلطان” في بلد آخر. وكم من فقيه فرّ من “إمارة مناضلة” (مهما أخطأت وابتزّت) إلى أخرى “عميلة”، أو من “دولة عريقة” إلى أخرى “طارئة ووظيفية”. وكما ترك ابن بية “محظرات” شنقيط مستغنيا عنها بمآدب “آل نهيان وآل مكتوم”، فقد ترك آخرون المغرب وموريتانيا واليمن ومصر وتونس وسوريا… إلخ؛ مستغنين عنها بجزيل عطاء “آل ثاني”.

الكيل بمكيالين هو ما يجب أن نرفضه في حكمنا على “فقهاء العصر”، ومن يدافع عن فلسطين لا ينبغي له أن يخون قضيتها باحتواء “المقاومة” لصالح “المجمع الصناعي العسكري الأمريكي” (وسياسيا، لصالح “الديمقراطيين”)، كم لا ينبغي له أن يحاصرها بتجزئة الوطن العربي وبلقنته بالفتن والحروب.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M