موقف فرنسا من جريمة السعيدية..

09 سبتمبر 2023 16:14
دولة الجنرالات تقبل تسليم جثة ضحية الرصاص الغادر

هوة بريس – يونس فنيش

عجيب غريب ما يحدث. فرنسا “تؤكد وفاة فرنسي و احتجاز آخر في الجزائر”، و “تكشف موقفها…”، و “تعلق…”، ولكنها لا تتخذ أدنى موقف صارم ضد الجزائر التي قتلت مواطنا يحمل جنسيتها. و أما الجزائر التي اقترفت الجرم، فلا تتأسف بل تبرر فعلتها بكل صلافة و وقاحة و بترهات لا يقبلها عقل إنسان سوي.

طريقة تعامل فرنسا إلى حد الآن في ما يتعلق بهذه الجريمة يجعل الناس يطرحون أسئلة بلا حدود، فلو كان ذاك المواطن الفرنسي ليس مغربي الأصل فهل كانت فرنسا ستستعمل كلمات فضفاضة لا تحدد نوعية الجريمة و تكتفي بتعليق محايد كما لو كانت مجرد كاتبة رأي تتحدث عن نفوق دلفين في القطب الشمالي أو الجنوبي بسبب التغير المناخي؟ فهل أصبح النوع البشري رخيص إلى هذه الدرجة؟

فرنسا تؤكد وفاة إنسان و تصمت، بل تسكت، في حين أنه إنسان لم “يتوفى” بل قتل رميا بالرصاص من طرف قناصين جزائريين رسميين تعمدوا قتله، و الظاهر أن الجريمة تمت بواسطة سلاح دقيق معد للتصويب على هدف معين، و ليس بواسطة سلاح رشاش حيث الرصاص مبعثر قد يستعمل للتحذير فقط في بعض الأحيان و قد يتسبب في أضرار جانبية. و أما الهدف فلقد كان مجرد سائح مدني أعزل يرتدي لباس السباحة حافي القدمين، يحمل الجنسية الفرنسية، كان يتجول ممتطيا دراجة مائية عادية في مياه شاطىء مدينة السعيدية.

نعم، التحقيق في طور الإنجاز و القضاء ربما سيقول كلمته إلى آخره، ولكن كيف للقضاء الفرنسي أن يقول كلمته أو أن يبادر و لو في مجرد إجراءات أولية و فرنسا لا تتهم بصراحة و شجاعة الجزائر التي اقترفت هذه الجريمة في حق السياحة الدولية و في حق الإنسانية جمعاء، قبل أن يتعلق الأمر بمواطن يحمل الجنسية الفرنسية؟

قلت أعلاه بأن سكوت فرنسا، الدولة النووية، دولة “حقوق الإنسان” و “فلاسفة الأنوار”، و روسو و هيغو إلى آخره، الدولة الأوروبية الديمقراطية إلى آخره، يجعل الناس يطرحون أسئلة بلا حدود و من ضمنها : هل كانت فرنسا ستقف موضع المتفرج على هذه الجريمة الكبرى لو تعلق الأمر بمواطن من أصل فرنسي و ليس من أصل آخر، و لو كان يحمل الجنسية الفرنسية؟ و هل كانت فرنسا ستتعامل بهذا “الهدوء” لو تعلق الأمر بمواطن يحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب الجنسية الألمانية أو السويدية أو الدنماركية…مثلا؟ فهل الجنسية الفرنسية لا تخول نفس الحقوق لجميع الفرنسيين؟ فما هذا الورش بالضبط؟ و معذرة على الصراحة، ولكنها أسئلة الناس الذين يتساءلون في رعب عن وضعية الديمقراطية اليوم و مآل الحقوق و المساواة في فرنسا. طيب.

الجزائر تعادي المغرب، و هذا شيء بديهي تعرفه فرنسا حق المعرفة، و أما فرنسا فتحاول المحافظة على امتيازاتها في الجزائر، و هذا شيء معلوم، ولكن الذي لم يكن في حسبان الناس، الذين يتساءلون في رعب، هو أن خوف فرنسا من فقدان امتيازاتها في الجزائر سيصل إلى درجة الاستخفاف بحياة مواطن فرنسي و التعامل مع قتله ببرودة جافة بلا لون أبيض و لا أحمر و لا أزرق، و بلا راحئة أدنى عاطفة تنبعث من روح “لامارسيييز”.

ولكن لا هول ولا فزع، فهذه كلها تساؤلات الناس الذين من حقهم “التأكيد”، و “التعليق”، و “الكشف”… إلى آخره، بكل حرية، تماما كما “أكدت” و “علقت” و “كشفت” فرنسا عقب اقتراف الجزائر لجريمتها تلك ضد الإنسانية، و ضد السياحة الدولية، في شاطىء مدينة السعيدية. و يبقى الأمل، كل الأمل، في أن يتخذ القضاء الفرنسي مجراه بكل استقلالية من أجل تحقيق العدالة في حق الجزائر التي قتلت مواطنا فرنسيا من أصل مغربي بتلك الطريقة المعتمدة البشعة، و لا شك أن هيئات الدفاع في فرنسا لا تخلو من محامين يتمتعون بالشجاعة الحقوقية الكافية لتسمية الأشياء بمسمياتها. و تحية عالية للقراء الشرفاء الأعزاء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M