هل يئست الرباط من ماكرون وبدأت تخاطب نخب ما بعده؟

05 مايو 2023 08:07
على عكس تعنت ماكرون السفير الفرنسي بالرباط يصدم الجنرالات

هوية بريس – بلال التليدي

منذ مارس الماضي، والعلاقات المغربية الفرنسية تخطئ طريقها نحو التهدئة، وتؤكد عدم وجود أي مؤشر لتغير الموقف المغربي من اشتراط وضوح موقف باريس من قضية الصحراء وإعادة الدفء للعلاقات بين البلدين.

قبل شهرين تقريبا، أحرجت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية بسبب استناد بعض النواب إلى ما نشرته مجلة «جون أفريك» من تصريحات منسوبة لمسؤول مغربي تؤكد عدم جودة وجدية العلاقات المغربية الفرنسية، وذلك جوابا على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فاضطرت المسؤولة الدبلوماسية الأولى في باريس للإقرار ضمنيا بوجود أزمة، وأن العلاقات بين الرباط وباريس تتجه نحو التهدئة.

السفير الفرنسي بالرباط كريستوف لوكورتييه، حاول أن يعطي شرعية لتصريحات كولونا، فتحدث عن وجود تحضيرات عليا لترتيب زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب في الربع الأول من هذا العام، وتحدث عن قرب إعادة الشراكة الاستثنائية بين البلدين.

الربع الأول من سنة 2023 مضى عليه أكثر من شهر، ولا شيء يفيد وجود الحد الأدنى من التحرك الدبلوماسي لترتيب هذه الزيارة ولو في منتصف السنة أو عند نهايتها.

البعض، قرأ في تأجيل قصر الإليزيه لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس في الثاني من مايو دون تعليل ذلك بذكر الأسباب، على الرغبة في تلافي التناقض بين السياسة الفرنسية تجاه الرباط والسياسة الفرنسية تجاه الجزائر، وخشية باريس أن تؤدي مخرجات زيارة تبون إليها إلى الإجهاز على الجهود الدبلوماسية المبذولة لإصلاح العلاقة مع الرباط.

لكن في الجوهر، لا وجود لأي مؤشر يدل على أن العلاقات المغربية الفرنسية تتجه نحو التهدئة، فضلا عن الادعاء بوصول ترتيبات إصلاح العلاقة بين باريس والرباط إلى الدرجة التي تفرض تأجيل زيارة الرئيس الجزائري. فالأمر في الجوهر، يتعلق بواقع أمني واجتماعي محتقن فضلا عن ارتباك في التحالف الحكومي في فرنسا، لا يضمن الشروط السياسية لأن تكون زيارة الرئيس الجزائري بأفق سياسي أو استراتيجي تتطلع إليه فرنسا والجزائر على السواء.
الواقع، أنه على عكس الدينامية الدبلوماسية التي عرفتها العلاقة بين البلدين ما بين شهر ديسمبر 2022 وشهر مارس 2023، والتي برزت فيها بعض المؤشرات من جهة باريس، تظهر رغبتها في طي صفحة الخلاف من خلال الإعلان عن نهاية أزمة التأشيرات، والتصريح بوجود تحضير لزيارة ماكرون للرباط، تظهر المسافة الزمنية الفاصلة بين مارس ومايو الجاري تحول العلاقة من واقع الجمود وإدارة التوتر ضمن السقف المنخفض، إلى الدفع بالتوتر إلى مستويات أكبر، وذلك على الأقل من خلال أربعة مؤشرات:

الأول، وهو إصرار المغرب على تغيير محوره التقليدي في تدبير علاقاته الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، يبين ذلك إقصاء باريس بشكل نهائي من أي دور في الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وتمكين ألمانيا من هذا الامتياز من خلال بناء مصنع في مدينة طرفاية (الصحراء) لإنتاج هذه المادة بمبلغ 300 مليون يورو، سيجعل المغرب أول منتج لها في إفريقيا، مع سنة 2025، وسيضمن فك ارتهان أوروبا بروسيا من جهة التزود بالهيدروجين الأخضر. كما يبين ذلك أيضا إقصاء فرنسا من صفقة ضخمة كانت تعدها جزءا من نصيبها التقليدي، فالمغرب، يتجه إلى ترصيد علاقته مع إسبانيا، ومنحها صفقة تمديد شبكات القطار الفائق السرعة إلى مراكش وأغادير، بمشروع يفوق تقديره 75 مليار درهم، إذ من المفترض أن يغطي المشروع حوالي 1300 كيلومتر من السكك الحديدية عالية السرعة.

المؤشر الثاني، وهو توجه الحكومة المغربية إلى إنهاء تجربة شركات التدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، والذي كانت تسيطر عليه عمليا الشركات الفرنسية، وقد تم تمرير هذا القانون في المؤسسة التشريعية بعد منتصف أبريل الماضي، وسيتم بناء عليه، إحداث شركات على صعيد كل جهة بمبادرة من الدولة، ووضعها رهن إشارة الجماعات المحلية كطريقة حديثة من طرق تدبير مرفق التوزيع للماء والكهرباء وخدمات التطهير السائل.

في الظاهر، يبدو هذا التوجه، جزءا من مسار تقييم تجربة التدبير المفوض لقطاع توزيع الماء والكهرباء وخدمات التطهير السائل، لكن سياق الزمن، يكشف أن ذلك يندرج ضمن إدارة التوتر بين الرباط وباريس، وتحول الرباط إلى استعمال بعض أسلحتها للضغط على باريس، وإجبارها على قبول شروطها في عودة العلاقات بين البلدين.
المؤشر الثالث، وهو مرتبط بسابقه، لكنه، يشكل في الجوهر، المستوى الذي وصلت إليه إدارة التوتر بين البلدين، فقد كشفت بعض المصادر عن توجه سلطات الدار البيضاء لسحب صندوق الأشغال المخصص للاستثمار من يد «شركة ليديك» المكلفة بتدبير قطاع الماء والكهرباء، وهو ما يعني إنهاء الامتياز الضخم الذي كان لهذه الشركة الفرنسية، إذ كانت تضع بموجبه يدها على ميزانية ضخمة كانت مخصصة لتمويل الاستثمارات في البنية التحتية بالعاصمة الاقتصادية بالدار البيضاء.

المؤشر الرابع، وهو توجه فريق برلماني إلى تقديم مقترح قانون يمنع مزدوجي الجنسية من تولي مسؤوليات سامية أو عمومية بالمغرب، وهو المقترح الذي يستهدف بالأساس الحاملين للجنسية الفرنسية، بحكم أنهم يشكلون الأغلبية من بين الجنسيات الأكثر حملا من قبل بعض المسؤولين. ومع أن هذا المقترح، جاء بمبادرة من حزب العدالة والتنمية المعارض، إلا أنه استقبل سياسيا وإعلاميا بقدر من القبول، خلافا لمقترحات له سابقة، كانت دائما ما تقابل بالاستهجان من قبل الأغلبية الحكومية، مما يفيد بوجود مزاج في النخب العليا، يرغب في جعل هذا السلاح جزءا من إدارة التوتر مع باريس، التي تستفيد من ازدواجية جنسية بعض المسؤولين المغاربة، حتى تكون قريبة من موقع القرار ومؤثرة فيه.

باريس عادت مرة أخرى إلى استعمال التأشيرات كجزء من اللعبة، ولم تخفض من حدة سلاح التضييق القضائي، وهي تراقب الشكل الذي يستثمر به المغرب أزمتها الداخلية، والاحتقان الاجتماعي الذي يعمها، والارتباك السياسي الذي يطبع العمل الحكومي، فضلا عن انهيار شعبية ماكرون، لتقدم على خطوات مدروسة تندرج كلها في رفع مستوى الضغط لكن دائما ضمن السقف المتحكم فيه لإدارة الصراع.

في الواقع، ثمة مؤشر خامس، لكنه ينتمي إلى سياق آخر، غير سياق إصلاح العلاقة مع باريس في عهد ماكرون، إذ استقبلت الرباط أمس الخميس واليوم الجمعة وفدا من المنتخبين المنحدرين من التوجه اليميني الديغولي (حزب الجمهوريين) بقيادة رئيس الحزب إريك سيوتي، الذي أكد في بيان نشره الحزب، أن زيارته تندرج ضمن تعزيز روابط الصداقة بين فرنسا والمغرب، واستمرارية الروابط التاريخية بين المملكة المغربية والعائلة الديغولية وضمان الاستقرار حول البحر الأبيض المتوسط».

واضح أن المغرب يئس من عهد ماكرون، وأصبح ينظر إليه كجزء من التاريخ، ويفضل اليوم أن يستثمر الاحتقان الاجتماعي والسياسي والأمني في فرنسا، من أجل ممارسة مزيد من الضغط، وذلك، حتى تصير الأزمة بين باريس والرباط جزءا من ملفات تدمير السجل السياسي لماكرون، وإقناع النخب القادمة بأن مستقبل العلاقات مع الرباط رهين بوضوح موقف باريس من غربية الصحراء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M