وقف الكتب والخزانات الشخصية.. مبادرات نبيلة تروم تحقيق النهضة العلمية والفكرية الشاملة

30 يونيو 2014 14:02
افتتاح المعرض الوطني للكتاب المستعمل بمشاركة 120 عارضا بالدار البيضاء

وقف الكتب والخزانات الشخصية.. مبادرات نبيلة تروم تحقيق النهضة العلمية والفكرية الشاملة

هوية بريس – و م ع

الإثنين 30 يونيو 2014

أسهمت عملية وقف الكتب والخزانات الشخصية، خلال تاريخ المغرب، إسهاما بارزا في نشر وترسيخ العديد من القيم الدينية والمعرفية، التي أثرت، بشكل إيجابي، على العديد من مناحي الحياة الدينية والعلمية، وفي تحقيق النهضة العلمية والفكرية الشاملة، وتعزيز التقدم المعرفي، وتهيئة الظروف الملائمة للإبداع الإنساني، ما يدفع إلى التأكيد على ضرورة إحيائها في الوقت الراهن.

وإدراكا من الواقفين ما للكتاب من أهمية ودور متميِز في تعزيز التقدم المعرفي، والعمل على تحقيق التنمية الثقافية والعلمية، فقد اتجهوا إلى وقف الكتب ووقف المكتبات التي ملؤوها بالكتب النافعة في أصناف العلوم الإنسانية والتطبيقية، وفي ذلك يقول الأستاذ حسن عبد الغني أبو غدة “وقل أن يجد المرء مدينة إسلامية ليس فيها مكتبة وقفية خاصة أو عامة، أما العواصم الإسلامية فقد كثُرت فيها دُور الكتب بشكل لا مثيل له في تاريخ العصور الوسطى، وتسابق الخلفاء والحكام والعلماء والأغنياء والأفراد العاديون من أهل الخير في وقف المكتبات والكتب، إما بصورة رسمية عامة، وإما بصورة فردية خاصة”.

وفي هذا السياق، تندرج مبادرة الأستاذ عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، الذي وهب، الأسبوع الماضي، ما زخرت به خزانته الشخصية من درر علمية ومعرفية، للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، في إطار نظام الوقف الذي يعتبر من أهم الركائز التي يُعتمد عليها لنشر قيم التضامن والتآزر والفضيلة في المجتمع، والذي كان له أثر فعال في ازدهار المجتمعات الإسلامية على مر العصور.

ولعل هذه المبادرة النبيلة، كما نوهت بذلك المؤسسة المتلقية، “تعبر عن غيرة ووعي بضرورة دعم المؤسسات الثقافية، وخصوصا المكتبة الوطنية كمرفق عمومي مسؤول عن جمع ومعالجة التراث الوثائقي الفكري الوطني والإنساني وإتاحته للجمهور”.

وذلك ما أكده الأستاذ المريني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، من أنه يسعى من وراء هذه الخطوة إلى تعميم استفادة الطلبة والباحثين والأساتذة من المطبوعات التي زخرت بها مكتبته الخاصة، والتي تتوزع بين مختلف أصناف المعرفة والإبداع، من أدب ولغة وفن وتاريخ وسياسة وغيرها.

وفي تصريح للوكالة، أكد الأستاذ إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أن مبادرة الأستاذ عبد الحق المريني مهمة بالنسبة للرصيد التوثيقي للمكتبة، فمكتبته متنوعة من حيث المواضيع والمناهج واللغات، تنطلق إلى مجالات ثقافية ومعرفية مهمة، مضيفا أن هذه المبادرة تعني، من بين ما تعني، أن الأستاذ المريني رجل علم واهتماماته متنوعة كونية ومنخرطة في المغرب.

وفي تقييمه لظاهرة وقف الكتب بالمغرب، قال الأستاذ خروز “إن هذه الظاهرة هي ارتقاء بمؤسسات البلاد، ومن ضمنها المكتبة الوطنية للمملكة، من حيث هي مؤسسة تحظى بالثقة والمصداقية، ما يدفع عائلات وأشخاصا ومثقفين، من قبيل الأستاذ عبد الحق المريني، إلى إهداء خراناتهم الشخصية”.

وذكر بأن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية توصلت بعدد كبير من الخزانات، من بينها خزانة المرحوم يحيى الشفشاوني (وزير سابق)، وخزانة الوزير السابق المرحوم أحمد رمزي، وخزانة عائلة الوفا، وخزانة الوزير الأول الراحل عز الدين العراقي الذي أهداها للمكتبة قيد حياته، وخزانة الأديب الراحل محمد الصباغ.

وخلص إلى أن المبادرة إلى إهداء ووهب الكتب والخزانات الشخصية هو مساهمة في جمع التراث المغربي، ورمز ومؤشر على قيمة المواطنة الحقة والانخراط في جمع التراث المغربي ووضعه رهن إشارة القراء والباحثين.

إن المقصود بوقف الكتب حبسها على المؤسسات الدينية والعلمية، من مساجد وزوايا وخزانات ومدارس ومكتبات، ليستفيد منها طلاب العلم، والمدرسون، والناس عامة، ابتغاء مرضاة الله، فهي، كما يوضح ذلك العلماء والشراح، “لا تباع ولا تورث، وقد تقتنى أو تستعار مع إرجاعها إلى موضعها عند الانتهاء منها ليبقى أصلها، وتستمر الاستفادة منها، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين استشاره في ما غنمه في خيبر: “احبس أصلها وسبل ثمرتها”، مستدلين على جواز وقفها بالحديث الشريف “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له“.

ويؤكد الأستاذ أحمد شوقي بنبين، في بحث علمي تأريخي، أن الخلاف في المغرب بين الفقهاء لم يقم حول ظاهرة وقف الكتب لأنها أصبحت من المسلمات، بل كان الخلاف قائما حول وضعية الكتب الموقوفة نفسها، الشيء الذي أدى إلى صدور فتاوى متعلقة بهذه الظاهرة، وجمعها في كتب النوازل كالتي يضمها الجزء السابع من كتاب المعيار المعرب للونشريسي.

لقد دأب المغاربة على وقف الكتب على المؤسسات ذات الصبغة العمومية (المساجد.. المدارس العتيقة، خزانات المساجد الجامعة وغيرها)، ومن ثمة فإن ظاهرة وقف الكتب والخزانات الشخصية ليست جديدة على المجتمع المغربي، وذلك ما يؤكده الأستاذ بنبين بقوله “المرجح عندنا أن وقف الكتب قديم في المغرب، فقد ثبت أن خلفاء بني أمية بالأندلس… كانوا يرسلون مجموعات من الكتب لإغناء خزانة القرويين ونشر العلم بحاضرة فاس، والطابعُ العام الذي كانت تتسم به هذه المكتبة يحملنا على الاعتقاد بأن الكتب المهداة من طرفهم كانت في إطار الوقف. ولهذا يحتمل أن يكون وقف الكتب في المغرب أقدم مما يظن”.

ويضيف الأستاذ بنبين “أما الكتب الموقوفة التي لا تزال مصونة بخزانتنا المغربية فإن أقدمها يرجع إلى العهد الموحدي، مثل كتاب “الإنجاد” لابن أصبغ، وكتاب “التمهيد” لابن عبد البر اللذين وقفهما الخليفةُ الموحدي عمر المرتضى في القرن السابع الهجري على خزانة مدرسة القصبة بمراكش. والمخطوطان معا من محفوظات خزانة ابن يوسف بمراكش”.

ولم يقتصر المغاربة، على اختلاف طبقاتهم، في اختيار الجهات الموقوف عليها، على المؤسسات المغربية بل امتد تحبيسهم الكتب في سبيل الله إلى جهة الشرق، ويورد الأستاذ بنبين كأمثلة، نقلا عن المقري في “نفح الطيب”، من أن السلطان أبي الحسن المريني كتب ثلاثة مصاحف شريفة بخطه، وأرسلها إلى المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وأوقف عليها أوقافا جليلة”، كما أن السلطان العلوي مولاي عبد الله بن إسماعيل وقف 23 مصحفاً على المسجد النبوي بالمدينة المنورة.

ويؤكد المختصون في هذا المجال أن نظام الوقف بصفة عامة، ووقف الكتب والخزانات الشخصية على الخصوص، والذي يستمد مشروعيته من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وسيرة السلف الصالح، قام بأدوار فاعلة في تسيير مرافق المجتمع وتلبية حاجات الناس المتعددة والمتنوعة، ولذلك فمن الضروري أن يعاد له الاعتبار، وذلك بإغناء رصيده وحسن تدبيره ومراقبته وحمايته وتنميته وتأهيله ليستعيد أهميته ويستأنف دوره كأداة لتشجيع الحركة العلمية سعيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والإقلاع العلمي والثقافي.

وفي هذا الصدد، تؤكد الأستاذة حبيبة أحادوش، في أحد أبحاثها في الموضوع، أن من التدابير التي من شأنها إحياء هذا النظام في الوقت الراهن، والتحسيس بأهمية وقف الكتب في الحياة المعاصرة: عقد ندوات علمية للتعريف بجهود المغاربة في توقيف الكتب وتحبيسها، وتشجيع أصحاب الخزانات العلمية الخاصة على توقيف خزاناتهم وإخراجها ليستفيد منها طلاب العلم والباحثون، وتخصيص أجنحة داخل الخزانات العلمية العامة بالبلاد تحمل أسماء المغاربة الذين اشتهروا بوقف الكتب، سواء كانوا ملوكا أو علماء أو من عامة الناس… لما في ذلك من تشجيع وتحفيز المواطنين على وقف الكتب.

ومن ثمة تبقى دعوات المفكرين والمهتمين والعلماء على حد سواء من أجل ترسيخ فكرة العودة إلى الوقف بشكل عام؛ تستمد أهميتها من حيث هو طريقً نحو بناء حركة علمية زاهرة، ما يتطلب بث الوعي بين الجميع لجعله منهجاً دائماً من مناهج العمل الخيري المجتمعي البناء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M