المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدافع عن النفس المجرمة ويتساهل في النفس البريئة
هوية بريس – د.محمد بولوز
أوصى المجلس الوطني لحقوق الانسان « بإلغاء عقوبة الإعدام من قانوننا الجنائي » في مذكرته حول مشروع القانون رقم 16/10 28 أكتوبر 2019 بعد ان حشد وحشر كما هائلا من الدفوعات وما يراه أدلة وبراهين للاقناع بتوصيته، مثل ربط قانوننا الجنائي بحقوق الانسان وحتى ننسجم مع المعايير الدولية ومقتضيات المسار الديموقراطي وننسجم مع اكثر من نصف دول العالم التي الغت عقوبة الاعدام او اوقفتها عمليا، وان الغاءها احد المعايير للانسجام مع شراكاتنا مع الاتحاد الاوروبي الاقتصادية والذي لا يقبل في عضويته من لم يلغ هذه العقوبة، وان المغرب اوقف تنفيذها من زمن غير يسير، وبانه قد يحكم بها احيانا على ابرياء، وبانها عقوبة غير رادعة، واستعان المجلس ايضا بما كتبه فيكتور هوجو والبير كامي وغيرهما واعتبر من الناحية الفلسفية وجود تناقض »في محاولة حماية الحياة بالقضاء عليها »وتساءلوا »كيف نعاقب على القتل بالقتل » وهكذا جالوا بنا في الفلسفات والهند والسند وما جرى لاخواننا في البوسنة وما حدث في كامبوديا حيث المحاكم الجنائية الدولية لا تحكم بالاعدام على الابادة الجماعية وجرائم الحرب، وفي روندا كذلك الغيت العقوبة رغم فظاعة ما حدث، واشاد المجلس بما سماه ب « نخبة نيرة تقود» هذا البلد، المهم كل شيء حشروه وحشدوه الا كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ومرجعية هذا الشعب الذي يتنعمون برزقه ويقصون عقيدته وهويته وقيمه وثوابته وتاريخه.
انها بحق مفارقة عجيبة يعيشها القوم وامثالهم من بني جلدتنا انقلبت عندهم الموازين، وارتبكت بهم المقاييس، فيؤتى بالمبدأ الواحد، مثل الدفاع عن حق الحياة فيتم إعماله هنا في الدفاع عن حق المجرمين والقتلة في الحياة ، ومقاومة إعمال نفس الحق اذا تعلق الامر باجنة ونفوس بريئة، فحق الحياة يعتبر أساس كل أو معظم الحقوق بعده، فالله عز وجل هو واهب الحياة، ويعلم أهواء الناس واضطراب السبل بهم إذا تركوا لأنفسهم وشهواتهم، ولهذا حكم حكمه الحق العادل، بأن لا تقتل أي نفس إلا بحق. والحق ما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما انتهى إليه اجتهاد علماء المسلمين في مجموعهم وإجماعهم أو رآه أفراد منهم فيما ينسجم مع الأصول والمقاصد والشروط المعتبرة للاجتهاد بما لا يأتي على الأصول والثوابت بالنقض والإلغاء، وإذا نظرنا في الشرع وجدنا تحريم قتل الغير بمن فيهم الأجنة ووجدنا تحريم الانتحار والتنصيص على من يستحق القتل بما جنته يده وارتكبته نفسه الأمارة.
تحريم قتل الغير
اعتبر الله عز وجل السماح بقتل الواحد بغير حق كقتل النوع كله فقال تعالى(من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قتل المعاهد غير المسلم 🙁 من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) وعصم دماء المسلمين بمجرد الشهادة وبحق تلك الشهادة، فقال تعالى : »ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً” وجاء عن ابن عباس سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول “يجيء المقتول متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دما فيقول أي ربي سل هذا فيما قتلني”وفي الحديث الصحيح ” لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ” قال ابن العربي في شرحه:” الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره” وفي الحديث أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا” ونظر النبي مرة إلى الكعبة فقال “ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا”. وكان من آخر وصاياه في حجة الوداع “إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا” وقوله:”لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”.
الإجهاض عند تكون النفس قتل للغير
ففي الاجهاض الذي يدعو المجلس الوطني لحقوق الانسان للتساهل فيه وحتى تغيير اسمه بما يجعله مستساغا، قال تعالى “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” فهذا التعبير الدقيق بالنفس يجعل الحرمة قائمة لكل نفس بما فيها نفس الجنين، فالنفس “نفسان: نفس حية بشرية لا روح فيها وهي الوجود الموضوعي (البشر) ونفس نفخت فيها الروح وهي النفس الإنسانية” وأرى أن مجرد الحياة الجنينية الأولى في الرحم قبل نفخ الروح موجبة للحرمة فلا يجوز الاعتداء عليها بالإسقاط إلا بوجود خطر متحقق على حياة الأم، والعلماء يتحدثون عن بداية حياة معتبرة من نهاية الأسبوع الثاني من الحمل ويستدلون بحالة انفصال التوأمين وتكون عادة في حدود اليوم 14 من تلقيح البويضة. ويتحدث الاطباء ان قلب الجنين يبدأ في التشكّل في الأسبوع الثاني من الحمل، ويستمرّ في النموّ بشكل يومي خلال الأسبوعين التاليين حتى تشكيل حجرات القلب الأربعة، ويبدأ القلب بضخّ الدم في الأوعية الدموية، فالقلب يبدأ بالنبض بعد 22 أو 23 يوماً من الحمل، و يكون قلب الجنين صغيراً جداً بحيث لا يستطيع توليد موجات فوق صوتية كافية لتكون مسموعة، ويمكن سماعها في الأسبوع الثاني عشر من الحمل، بواسطة أداة صوتية صغيرة تُسمى الدوبلر، وقد تكون باهتة وغير مسموعة قبل مرور 12 أسبوعاً، فمع مرور اسبوعين نكون امام نفس بشرية تنبض بالحياة ولو لم ينفخ فيها الروح المذكور في الحديث في اثنين واربعبن يوما او مائة وعشرين يوما، والاحوط لحفظ النفوس اعتماد الرواية الاولى في اعتبار الادمية الكاملة والاحوط من ذلك اعتماد الاسبوعين لاعتبار نفس بشرية محترمة لا يجوز الاعتداء عليها الا اذا كانت نفس الام مهددة بخطر حقيقي.
ولهذا فمن الناحية المبدئية ونظرا للمعطيات العلمية والطبية يجب التاكيد على حرمة النفس بدءا من انتهاء الأسبوع الثاني من الحمل.ويزداد جرم الاسقاط او الاجهاض بعد ذلك كلما تقدمت حياة الجنين، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: “وأول مراتب الوجود بأن تقع النطفة فى الرحم، وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة، كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة، ازدادت الجناية تفاحشاً، ومنتهي التفاحش فى الجناية بعد الإنفصال حياً”.
تحريم الانتحار وقتل نفسك التي بين جنبيك، فكيف بنفس غيرك؟
قال تعالى: “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً” (النساء:29)وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الانتحار من أعظم الذنوب والآثام التي توجب عذاب النار إلا أن يشاء الله غير ذلك، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) .وكذا في الحديث الصحيح عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) وفي الصحيح أيضا عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) وفي هذه النصوص الكثيرة والعديدة التي يتجاهلها المجلس الوطني لحقوق الانسان وغيره ممن يطبلون بعبارة حرية الجسد فالانسان ليس خالقا ولا صانعا لجسده حتى يكون كامل الحرية فيه انما هو هيبة ربانية يحكم فيها الله بما يريد.
نفوس تقتل بحق ممن لهم الحق
روى البخاري في صحيحه عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ ، يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ ، إلا بإحدى ثلاثٍ : النفسُ بالنفسِ ، والثيبُ الزاني ، والمفارقُ لدِينِه التاركُ للجماعةِ” وفي الحديث الذي رواه أبوداود وصححه الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مُسْلِمٍ ، يشهَدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللهُ ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ؛ إلَّا بإحدى ثلاثٍ : [ رجلٌ ] زنى بعدَ إحصانٍ ؛ فإِنَّهُ يرجُمُ ، ورَجُلٌ خرَجَ مُحَارِبًا للهِ ورَسولِهِ ؛ فإِنَّهُ يُقْتَلُ ، أوْ يُصْلَبُ ، أوْ يُنْفَى مِنَ الأرْضِ ، أوْ يَقْتُلُ نفسًا ؛ فيُقْتَلُ بِها”فالثلاثة المحددين الثيب الزاني، والقاتل للنفس قتل عمد عدوان، والمحارب لدين الله وجماعة المسلمين. وقال ربنا “ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب”فالقتل انفى للقتل واردع، وفي هذا رد على المجلس الوطني لحقوق الانسان ومن يذهب مذهبه في الغاء عقوبة الاعدام مطلقا، فلو تمت المطالبة بالغائها في المجال السياسي ما لم يزهق المتهم ارواحا لحسبت للمجلس باعتبار السياسة مجالا لتقدير المصالح وافتراض نية الاصلاح حتى في المتهم.
كفى من إهانة الشعب المغربي المسلم
فهذا الشرع واضح بين، جاء يحمي النفوس واعتبرها ثاني الخمس من الضروريات بعد الدين، فأمر بحفظ نفوس الكبار والصغار، ونفوس الأجنة من أن يعتدى عليها بقتل أو إجهاض، وأذن للحكام والقضاة وأولياء الأمور بقتل من ذكروا في الحديث، فكيف تنقلب الموازين ويعطف على القاتل المجرم وينادى بإزالة عقوبة الإعدام في حقه وإن قتل ما قتل، وينادى بإباحة الإجهاض وقتل الأجنة في تآمر مفضوح بين الرابحين من تلك التجارة وبين المفسدين والمفسدات وبين المستهترين بأصول الدين وقواعده ونصوصه، وبين بعض المغفلين من أهل التدين ممن يزعمون الاجتهاد والتفتح والتجديد وينسون توظيف العلمانيين لكلامهم ومواقفهم، ويغفلون عن مصير من أعان على منكر مثل منكر قتل النفوس وإجهاضها ولو بشطر كلمة ولو بأدنى إشارة، فالله الله في هذا الدين وفي حرمة الأرواح والأجنة والنفوس، وإلى الله المشتكى من النكوص والخذلان.
واقول للمجلس الوطني لحقوق الانسان نعم انت مؤسسة دستورية لها ما يناسبها من التقدير والاحترام، ولكن تذكر انك مجلس للشعب المغربي المسلم تتنعم برزقه وخيراته في تعويضات اعضائك السمينة، وانت في بلد امير المومنين الذي يحكم بمقتضيات البيعة لاقامة الدين الاسلامي وسياسة الدولة والشان العام به، او كذلك يجب ان يكون، فلا تحطم اساس الدولة ولا تمعن في اهانة عقيدة الشعب وكرامته واحتقار دينه وقيمه، واذا شككت في شيء من هذا فاتحداك ان تقترح استفتاء شعبيا ديمقراطيا لما تريد تمريره من تعديلات وتوصيات.والسلام على من اتبع الهدى.
حقوق الإنسان يعني باختصار حقوق المجرمين والفساق