أيها الراقصون على أحزان الوطن راجعوا حساباتكم قبل أن يتسع الخرق على راتق الخير..

17 سبتمبر 2024 01:43

هوية بريس – محمد بوقنطار

عندما ترى سيرة الطفل الغزاوي وكيف هي عقيدته في الله، وكيف هي جرعة ارتباطه بالأرض ارتباطا وثيقا، وكيف زاد هذا الرباط الوجداني حتى بعدما صارت غزة جبانة ومقبرة تحوي رموس الأحباب أصولا وفروعا، رجالا وحرائرا، شبانا وشابات، شيوخا وعجائز… وإنك لا تذكر في خضم هذه السيرة العطرة، والميثاق الغليظ أن هذا اليافع قد كان وبالا على أمته ونذير شؤم على قريته المحاصرة، فهو لم يحمل الحجارة في كفه الشريفة إلا في وجه دبابة العدو وآلته العسكرية الغادرة.

وفي غمرة ذلك الانبهار الذي يمارس سطوته على الفؤاد والناصية، ترجع البصر لترسله في سيرة هؤلاء وأعني بهم أطفال الوطن، وكيف خاصموا مبكرا في حقد وكراهية وبغض وجفوة وطنهم المغرب، وهموا بالهجرة في إلحاح طلب وعظيم رغب، بل هددوا بإحراق اليابس والأخضر إن لم يتسن لهم الرحيل…

إنها والله لمأساة وكارثة تنذر بأزمة لا يعلم حجم الخسارة فيها إلا الله، كما أنها معرة صرنا نتوارى إلى الخلف استحياء من الناس مخافة أن نستفسر عن أسبابها…

لكننا بالنظر والتدبر والتذكر والذوق علمنا أن الإبداع في العمران، والتطاول في البنيان، وتفوق الرياضي، وبهرجة الفنان، وإقامة سرادق المهرجان تلو المهرجان، كلها غثاء لا تصنع المواطن الإنسان…

وإنما تصنع عرى المواطنة، وتتوثق عروة الروابط بين الوطن والمواطنين، وتتراص صفوف المجتمع، ويكرس حبل الانتساب حول جيد الأجيال، وتبنى قواعده في جوف الناشئة من خلال وبواسطة تربيتهم على العقيدة الصحيحة السليمة، تلك العقيدة القوية المتينة التي جعلتنا نرى ونسمع ونشاهد طفلا صغيرا مقبلا على الحياة يؤثر العيش بين الأطلال والخراب وقد تحولت قريته الآمنة المطمئنة إلى قبر كبير، وبات الموت والهلاك يتهدد أنفاس الأنام، وهو مافتئ يؤثر هذا وغيره على زخرف عيش الأنعام.
ولكل منصف الحق في أن يقارن بين موقف بل مواقف أطفال غزة وشباب تازة على حد تعبير علمانيي الوطن، نعم لنا أن نقارن بين شباب المغرب وأطفاله، وبين طفل غزاوي فقد الأم والأب والعم والخال وجميع الأحباب محتسبا راضيا مسلما، لا يزال متشبتا بتراب أرضه وأرض أجداده، مهتبلا البقية الباقية مما تركه وخلفه وراءهم المعتدون، الصائلون، القتلة، المجرمون، الصعاليك المترفون، الجبناء المفسدون في الأرض بعد إصلاحها عليهم من الله ما يستحقون، وحسبنا الله ونعم الوكيل فيهم، وفي مترفي مملكتنا الشريفة من أصاغر العلمانية المتطرفة، اللصوص الخونة الذين أفسدت سياساتهم الزرع والضرع وأنبتت في كل حقل من حقول الوطن عوسجا وشوكا وحنظلا، وزرعت في أرضنا المعطاءة لغما قاتلا وحقنت في جسدنا المعافى سما زعافا…

ولنرجع في ذيل هذا البوح الأسيف لنقول: نعم لقد أرسلنا ذلك البصر في هذه الظاهرة المحلية المقرفة المحزنة المرة والمرتين، فأرجعناه للأسف الشديد خاسئا وهو حسير.

فرجة غير ممتعة

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M