الهجرة الحارقة على ضفاف غرب المتوسط
هوية بريس – عادل بن حمزة
عاشت مدينة الفنيدق المغربية المتاخمة لسبتة، المحتلة من إسبانيا في شمال المغرب، أياماً عصيبة في الأسبوع الأخير، تحديداً يوم 15 سبتمبر الذي كان موضوع حملة دعائية/تحريضية مكثفة واسعة على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي استمرت أسابيع، بوصف ذلك التاريخ موعداً للهجرة الجماعية إلى ثغر سبتة المحتلة، وهو ما استقطب آلاف الشباب المغاربة والأجانب. هذه الحملة كانت مسبوقة بحملات على نطاق أقل في آب (أغسطس) الماضي.
عموماً، يمكن القول إن محاولات الهجرة الجماعية، سواء باستثمار معطيات مناخية تتعلق بانتشار الضباب على السواحل أم الرغبة في توظيف الحشود لكسر جهود الطوق الأمني، ليست جديدة، لكن ما يُثير الانتباه في الحدث الأخير هو عدد المغاربة المرتفع، علماً أن سبتة المحتلة كانت دائماً في نفس المكان، وكان المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء يقطعون آلاف الكيلومترات وعشرات الدول من أجل الهجرة السرّية إليها، بينما كانت أمام المغاربة لكنها لم تشكّل بالنسبة إليهم إغراءً كبيراً… فكيف يمكن تفسير الذي وقع وما خلّفه من حسرة كبيرة على شبابٍ لم يجدوا أمامهم سوى الرهان على المجهول، وانقيادهم من دون مقاومة أو تفكير لتجار الوهم من دون معرفة بالمخاطر التي تنطوي عليها الهجرة السرّية.
لمحاولة فهم هذه الوضعية وتفسيرها، يجدر بنا العودة إلى الرأي الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، وهو مؤسسة دستورية، في 30 نوفمبر 2023، تحت عنوان “شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين (NEET): أي آفاق للإدماج الاقتصادي والاجتماعي؟”، أكّد فيه أن فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يوجدون خارج نطاق منظومة التعليم والتكوين وسوق الشغل. اعتمد المجلس على إحصائيات قدّمتها في عام 2022 المندوبة السامية للتخطيط، وهي الجهة الرسمية المكلفة تقديم البيانات والإحصاءات الديموغرافية والاقتصادية، جاء فيها أنه يوجد واحد من بين كل أربعة شباب، تراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، في وضعية “NEET”، أي ما يعادل 1,5 مليون فرد. يفسّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هذه الظاهرة بكونها تبرز حجم محدودية السياسات العمومية الرامية إلى تحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب عموماً، ولا سيما بالنسبة إلى هذه الفئة الهشة.
لكن المجلس لم يكتف بذلك، بل أقرّ بوجود عوامل أخرى تساهم في تعقيد وضعية هذه الفئة من الشباب، لخّصها في ثلاثة عوامل أساسية، يتعلق أولها بالهدر المدرسي ما بين مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي. فالإحصاءات تشير إلى أن نحو 331,000 تلميذ يغادرون المدرسة سنوياً لأسباب متعددة، أهمها الرسوب المدرسي والصعوبات المرتبطة بالوصول إلى المؤسسات التعليمية، لا سيما في الوسط القروي، فضلاً عن نقص في عروض التكوين المهني، مضيفاً إلى ذلك حواجز سوسيو – اقتصادية أخرى تساهم في تفاقم حدّة هذا الوضع (الإكراهات الاجتماعية والثقافية والعائلية، وتزويج الطفلات، وتشغيل الأطفال، ووضعية الإعاقة، وغيرها).
ويتعلق العامل الثاني بالانتقال من الحياة الدراسية إلى سوق الشغل. يقول رأي المجلس إن الباحثين عن أول فرصة شغل، أي 6 من أصل 10 شباب عاطلين من العمل، يصطدمون بالعديد من الإكراهات قد تصل إلى حدّ الإحباط. يفسّر المجلس ذلك بعدة فرضيات منها عدم ملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، إضافة إلى الفاعلية المحدودة لخدمات الوساطة في مجال التشغيل، علماً أن النساء بحسب ذات الرأي يتأثرن بشكل خاص بعوامل أخرى، مثل التمييز بين الجنسين، وضغط الأعباء المنزلية، لاسيما أنهن يُشكّلن النسبة الأكبر في فئة “NEET”، بما يعادل 72.8%.
أما العامل الثالث، فيتعلق بالانتقال بين وظيفتين نتيجة فقدان الشباب وظائفهم أو توقفهم طواعية عن العمل بحثاً عن فرص أفضل. فإلى جانب الأسباب العرضانية المرتبطة بتقلّبات الظرفية وهشاشة النسيج المقاولاتي، قد يُعزى انقطاع المسار المهني للشباب إلى عوامل مرتبطة بعدم احترام شروط الشغل اللائق، ناهيك عن تدني مستويات الأجور بالمقارنة مع “بروفايلاتهم” و كفاءاتهم.
تختصر هذه العوامل الثلاثة واقعياً الوضعية العامة للشباب المغربي. وهنا، لا بدّ من التأكيد على أن الفشل الكبير في المنظومة التعليمية، رغم الحجم الهائل من الموارد المالية التي توفرها الدولة، يعتبر حجر الزاوية في وضعية جزء كبير من الشباب المغربي الذي يوجد على هامش التطور الذي يعرفه الاقتصاد الوطني، إذ إنه لا يستفيد من آثاره الإيجابية، كما أنه لا يسهم في تطوره. لقد سبق أن أوضح العاهل المغربي لمناسبة ثورة الملك والشعب لسنة 2018، أهمية انعكاس النمو الاقتصادي الذي يحقّقه المغرب على التشغيل. يقول الملك محمد السادس:”ما يحزّ في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبقى مرتفعة. فمن غير المعقول أن تمسّ البطالة شاباً من بين أربعة، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه المغرب على العموم…”. كما حرص الملك على التذكير في الخطاب نفسه على أهمية الشباب المغربي وضرورة وضعه في صلب النموذج التنموي الجديد الذي كان في طور الإعداد. وفي ذلك يقول: “ها نحن اليوم ندخل في ثورة جديدة لرفع تحدّيات استكمال بناء المغرب الحديث، وإعطاء المغاربة المكانة التي يستحقونها، خصوصاً الشباب الذي نعتبره دائماً الثروة الحقيقية للبلاد. سبق أن أكّدت (القول للملك محمد السادس)، في خطاب افتتاح البرلمان، على ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، ودعوت لإعداد استراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله. فلا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وواجبه من دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك. علينا أن نقدّم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك. ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل…”.
فهل تتدارك الحكومة المغربية الموقف لمحو صورة آلاف الشباب والقاصرين ممن يطاردون حلم الهجرة؟ أم أن أخطاء الماضي ستتواصل؟