الدكتور العثماني يكتب: القلق بين الطبيعي والمرضي

27 أغسطس 2022 00:08

هوية بريس- الدكتور سعد الدين العثماني
[email protected]

ابتداء من هذه الحلقة سنستعرض أهم المعطيات المرتبطة بما يسمى “اضطرابات القلق”. ونمهد لها هنا بالتمييز بين القلق الطبيعي والقلق المرضي.
فالقلق شعور وجداني إنساني، طبيعي وأساسي، مثل الفرح والحزن والخوف، يتميز عموما بإحساس بعدم الأمن، ويتضمن في الغالب مزيجا من الشعور بالتوتر وتوقع الخطر والسوء، وعدم الارتياح، والخوف من شيء غامض وغير محدد. وهذا الاستعمال في مجال الصحة النفسية يختلف عن الاستعمال الدارج في المجتمع لكلمة القلق، والذي يعني النرفزة والعصبية وردود الفعل الغاضبة. كما يميز القلق عادة عن الخوف بكون هذا الأخير يتوجه إلى خطر حقيقي ومعروف ومحدد، مثل الخوف من الإصابة بعدوى أو الخوف من الرسوب في الامتحان، بينما يتوجه القلق إلى شيء غامض وغير محدد.
وليس القلق دائما شيئا سلبيا، بل يمكن أن يكون عاديا وطبيعيا، وأحيانا مفيدا، بل وضروريا للحياة. فهو يزود الإنسان في الحالات العادية بالطاقة لمواجهة التحديات المحيطة به أو التكيف معها، ويجعله يعبئ إمكاناته ويبذل الجهد للوصول إلى أهداف، لن يصل إليها لولا وجود حد معقول من القلق المستنفر والمحرك.
لكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. فالقلق الطبيعي قد يصبح غير ذلك، وإن كانت الحدود الفارقة بين القلق الطبيعي والضروري لحياة الإنسان، وبين القلق المرضي حدودا غير دقيقة.
وعلى العموم فإن القلق يعتبر طبيعيا عندما تتحقق فيه المعايير التالية:
– أن يكون متحملا من قبل الفرد، متحكما فيه،
– ألا يحس به بوصفه ألما نفسيا بالغا أو معاناة شعورية قاسية،
– ألا يكون له تأثير سلبي على حياته اليومية (الأسرية والمهنية والاجتماعية …)
– ألا تنتج عنه أعراض جسدية من آلام أو اضطرابات وظيفية أو غيرها.
وهكذا فإن القلق الطبيعي هو التجربة التي عاشها كل واحد منا، أو الإحساس الذي عرفه في مواقف معينة من حياته: إما خوف قبل اجتياز امتحان دراسي، أو خوف على تطور مرض أحد الوالدين، أو رد فعل بالترقب والانزعاج بعد حادثة سير أو كارثة طبيعية. وهذا القلق الطبيعي شعور صحي ومفيد ومنتج، بل يعتبر من الغريب ومن غير الطبيعي ألا يشعر الفرد بذلك النوع من القلق.
ويصبح القلق غير عادي ولا طبيعي أساسا في الحالات التالية:
– عندما لا يكون مرتبطا بأحداث واقعية، فيبرز دون سبب أو مبرر،
– عندما يصبح حالة مستمرة، لا شعورا مؤقتا،
– عندما يفقد وظيفة المساعدة على تطوير حياة الفرد، ويصبح بدلا من ذلك سببا في تكرار ردود فعل أو سلوكات سلبية، وليس عامل تكيف إيجابي،
– عندما يؤدي إلى شل حركة الفرد ولو جزئيا، والتشويش على أدائه،
– عندما يحس معه الفرد بألم نفسي يدفعه إلى طلب المساعدة أو العلاج،
– عندما يصاحب أعراضا أو اضطرابات أو أمراضا نفسية أخرى،
– عندما يؤدي – بسبب الإرهاق الذي ينتج عنه وبسبب استنفاده للطاقة النفسية – إلى حالة اكتئاب أو حالات إدمان بمختلف أنواعها (الأدوية أو الخمر أو المخدرات). وكثير من حالات الإدمان في الواقع تنتج عن قلق نفسي لم يتم تشخيصه ولا التعرف عليه.
وبتوفر واحد أو أكثر من هذه المعايير يصبح القلق غير طبيعي أو يصبح مرضيا. فلنأخذ مثلا شعور الطالب بالقلق عند اجتياز الامتحان، فهذا قلق طبيعي، سيكون باعثا على الاستعداد والتحصيل الجيد. أما إذا زادت حدة القلق فإنه قد يشوش على أداء الطالب واستعداده، وقد يحول بينه وبين الاستيعاب الجيد والتحصيل المفيد.
إن عصرنا الحديث معروف بانتشار القلق وشيوعه فيه، إلى حد أنه يسمى عصر القلق. فالإنسان اليوم يتعرض لتغيرات سريعة، وحادة أحيانا، في البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية، وهي تحتاج إلى تكيف مستمر. ويتعرض الفرد أيضا لأزمات متنوعة ولتراكم الحاجات التي يعجز عن الاستجابة لها، ولتحولات القيم الاجتماعية. وهذه كلها ظروف تسهم في زيادة القلق كما وكيفا، إلى الحد الذي أصبح فيه ظاهرة عامة في حياة الناس اليومية.
إن الوعي بحقيقة القلق الطبيعي ومعايير تحوله إلى قلق مرضي، أمر ذو فائدة كبيرة. فهو يجعل الفرد مطمئنا في الحالة الأولى، ينتظر مرورها بسلام، ويدفعه لطلب العلاج المتخصص في الحالة الثانية وهو ما يحتاج إلى مزيد تفصيل في حلقات مقبلة بإذن الله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M