سلطان الموضة… خضوع وخنوع

28 مايو 2017 19:18
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

هوية بريس – د. أحمد اللويزة

قد يرى عبيد الموضة ومأسوريها أنها دليل على الرقي الحضاري وسمو ذوقي، ومسايرة تطورات الحياة، لكن من تأمل الأمر ومن خلال دلائل الواقع وعلاقة الإنسان بالموضة وجد أن ذلك دليلا على ضعف الشخصية وانهزاميتها أمام سلطان الموضة المتحكم في هوى النفوس الضعيفة.

ليس طبيعيا أبدا أن يصل الإنسان إلى درجة الهوس بالجديد في عالم الموضة، سواء كان ملبسا أو حلاقة أو مكياجا أو ما تعلق بعالم التقنية، أو حتى المراكب على اختلاف أنواعها، بل حتى أنواع الأكل وأماكن الاستجمام وموضة الشراء… وهلم جرا. فللناس في عالم الموضة مذاهب ومشارب ربما تفوق الخيال.

فلقد صار هم الكثير من الناس اليوم لاسيما الشباب من الذكور والإناث هو آخر ما ظهر هنا وهناك، يتتبعونه في القنوات والمواقع والمجلات…، وفي ذلك يتنافسون ويتسابقون.

وهذا يدل على سوء فهم الحياة عند هؤلاء؛ فهي عندهم ليس إلا تلبية لمتطلبات النفس وتحقيق رغباتها والتماهي مع الهوى إلى أبعد الحدود، ولا يهم أن يكون هذا الإنسان في مستوى الاستخلاف الذي أوجده الله من أجله ليعمر الأرض بالعبادة والطاعة وكل ما يحققهما.

فالمتمسك بسراب الموضة قد جعلها إلها من دون الله لا يستطيع أن يتحرر من قيدها، ويكن لها كل التقدير والاهتمام، خاضع خانع متبتل في محرابها لا يصده عن التمسك بشرائعها شيء مهما كان؛ دينا أو مجتمعا أو الوالدين أو الأساتذة والمربون أو الأصدقاء من العقلاء… وإن مما يؤسف له أن تكلم بعضا من هؤلاء فيجيبك -بلا وعي طبعا- قائلا: إنه حر!!!؟ فأي حرية هذه وهم لا يستطيعون أن يتخلوا عنها حتى في ساعات الحزن، ولمن تأمل كيف أن الموضة دخلت أيضا في عالم الحزن؛ في نوع اللباس ونوع النظارات التي ترتديها عينة من النساء عند حضور مشهد جنائزي!!!

إن التمسك بدين الموضة حد الهوس والهذيان يخرج بالإنسان عن إنسانيته، ويجعله في منزلة دون الحيوان، هذا الحيوان الذي جعل الله منه مقلدا في الحركات دون وعي وهو القرد، ومنهم مقلد في الأصوات دون فقه وهو الببغاء، فتجتمع الخصلتين فيمن كرمه الله وشرفه ورفع قدره! فيا للأسف! وذلك أن دين الموضة قائم على التقليد دون تفكير أو تأمل أو روية، فأصحاب هوس الموضة مبدؤهم رأينا وطبقنا دون تردد تماما كما يفعل أهل الإيمان والتقوى مع تشريعات ربهم سبحانه وتعالى. ولا أدل على ذلك من أنوع الألبسة البالغة في السفاهة والسفالة حدا لا يطاق، تجد من يلبسها ويحرص على ذلك أشد الحرص غير مبال ولا مهتم بنقد ولا توبيخ.

لقد استطاعت الموضة وأربابها أن يجعلوا من البشر آلات فاقدة للوعي والإدراك والحس والقدرة على الاختيار وفرض الاختيار. ومع ذلك ضاعت مقومات الأمم القائمة على الهوية الإسلامية والعادات المرعية شرعا، وصارت مجتمعاتنا محافل لكل دخيل لقيط قبيح سمج تتلقفه عقول فارغة من المقاصد السامية والهمم العالية.

قد لا يوافق احد على كثير مما ورد في هذا المقال بدعوى أن ذلك مجرد اختيار لنمط العيش، والناس أحرار في اختيار ما يلبسون أو يأكلون أو حتى طريقة الكلام… لكن حين أرى أن اللحية مثلا قبل أن يتبناها دين الموضة كانت تخلفا ورجعية وماضوية ووسخا عند البعض، واليوم صارت عنوانا للرقي والتقدم والتحضر والحرية، فقط لأنها صارت موضة لدى الشباب الضائع المضيع لدينه وقيمه وأعرافه الراقية السامية، السادر في غيه، يتبع كل ناعق من أصحاب الفن والكرة والسينما… ممن صاروا غربانا يقودون شباب الأمة إلى الجيف. هؤلاء النجوم الذين ما رأيت منهم خيرا إلا نشر التهتك والانحلال والتمرد على القيم والفضائل.

صاحب الشخصية القوية والفكر الراقي والعزيمة القوية والهدف النبيل الشهم في قراراته، لا يتخلى عن مبادئه وقيمه، فهو ليس ريشة تأخذه الريح حيث مالت، ولا تستهويه هذا العبثيات التي ملأت الأفق والتي تشرئب إليها أعناق الحمقى والمغفلين والمغرر بهم.

وقديما قيل: “العقول الكبيرة تهتم بالأشياء الكبيرة والعقول التافهة تهتم بالأشياء التافهة”.

وكأني بأرباب الموضة يضحكون حتى يتقمحون، ويسقطون على قفاهم. لما يرونه من سذاجة وبلادة وسخافة عبيد الموضة. فهناك وخلف أبواب الموضة الموصدة كثائب من أعداء الدين والملة والأمة، يبتكرون ويصنعون وينشرون ويسوقون ويتابعون ولربما يحصون حتى الضحايا، ويبدلون كل ما يملكون لشغل شباب الأمة ورجالها بهذه التفاهات حتى لا تتفرغ عقولنا لصنع الأمجاد واسترداد مجد الأجداد.

فيا أسرى الموضة فكوا ربقة الهوان عن أعناقكم، وحلوا الأغلال من أقدامكم، ولا تجعلوا أنفسكم رهينة في يد أرباب الموضة والأزياء يتحكمون في اختياراتكم ويجعلونكم كالدمى في يد الأطفال الصغار. لكم دين يصنع الرجال بقيمه وأخلاقه وتشريعاته العظيمة التي لا يستمسك بها إلا عظيم أبي النفس لا يرضى بالدون، فعودوا إلى رشدكم، وتوبوا من غيكم، واخرجوا من جحر الضب فإنه ضيق نتن الرائحة، فكيف رضيتم بذلك في الوقت الذي تخليتم عن قيم دينكم بدعوى أنها تشدد وتنطع، وإن من تجليات الموضة المتحكمة في البعض ما تئن بشدته وتشدده الجبال، وكم من مسكينة تتحمل شدة البرد وقرص الزمهرير فقط من أجل الموضة؟! أو تتحمل سوء المشية وألمها فقط من أجل حذاء عالي الكعب!!

 بل كم من مريض يتحمل ألم ما يستوجبه الأكل المفرط للأكلات العالمية فقط لأنه لا يستطيع أن يصبر؟!! وكم ممن يتحمل وخز الإبر استجابة لموضة الوشم؟!… وكم؟ وكم؟

إن الموضة وسحرها لا تدخل في صميم مشروع الأسوياء أصحاب الهمم العالية والمقاصد الراقية. بل هي عنوان لضحالة الفكر ودونية التفكير وهوان المقصد.

والله المستعان.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M