غياب الفتوى الشرعية.. وأثره على الفرد والمجتمع

06 نوفمبر 2022 10:58
الملك يأمر العلماء بفتح نقاش حول السلفية؛ تحقيق المفهوم وبيان المضمون

هوية بريس – د.يوسف فاوزي

تتبوأ الفتوى الشرعية مكانة كبرى في إصلاح العباد والبلاد، فهي تنزيل للحكم الشرعي حال نزول نازلة لا علم للناس بحكمها، وهي ضمان لبقاء معالم الشريعة في كل زمان ومكان، وهي تجديد لوظيفة ورثة الأنبياء الذين كلفوا بحراسة الدين بإحياء شعائره وإماتة نواقضه.

ولقد برزت مكانة الفتوى بشكل ملفت في واقعنا المعاصر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، باعتبار أن خطة الفتوى دخلها من ليسوا من أهلها، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، فتعالت الأصوات لتنظيمها، وكثرت الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والبرامج للحديث عن ضوابط الفتوى وحصر الجهات المخول لها إصدارها من باب تنظيم الشأن الديني، وسد الذريعة أمام المتطفلين على جنابها.

وهكذا تم تقنين الفتوى الشرعية وصارت مؤسسات الإفتاء الجماعي الجهة الرسمية الوحيدة التي تحال عليها النوازل ومنها تصدر الفتوى الشرعية الصحيحة الملزمة للجميع درء لمفسدة الفرقة والاختلاف.

غير أن الحال تغيرت في العقد الأخير، فبدلا من استمرار ظهور الفتوى الشرعية في حياة الناس للإجابة عن تساؤلاتهم حول المستجدات الحاصلة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بدلا من هذا كله ظهر العكس، وهو غيابها وغياب أهلها، لتصير مواقع التواصل الاجتماعي بديلا عن مؤسسات الإفتاء الرسمية، فأقبل عليها الناس بحثا عن الحكم الشرعي لمستجداتهم.

وإن استبدال مؤسسات الإفتاء الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فقد يكون المتدخلون أهلا للإفتاء وقد لا يكونون كذلك، فتتزاحم هنا المصالح والمفاسد، غير أن ضرر المفاسد هنا أشد ضررا وأثرا من المصالح الداعية إلى إبراز دور الفتوى الشرعية في حضورها الدائم في حياة الناس، والتصدي أيضا لصوت أهل المفاسد بفتاويهم البعيدة عن وحي الشرع وضوابطه.

وصرنا نسمع بين الفينة والأخرى مبررات واهية لغياب الفتوى الشرعية في نوازل اليوم، منها أن العلماء لهم مكانة محترمة لا تسمح لهم بالنزول إلى مستوى مناقشة (التفاهات)!، فالحياد عنها وقار للعلم وأهله!

وهذا مبرر غير مقبول ألبتة، فما يسمى بـ(التفاهات) ليست دائما في مستوى الإعراض؛ حتى نقول عنها إن من الحكمة إماتة الباطل بعدم ذكره، بل إن من الحكمة في أحايين أخرى الحديث عن هذا الباطل لإماتته، لأنه ينتشر في مجتمع الناس، ويلبس لبوس الشرع، فالسكوت عنه تطبيع للناس معه وهذا جناية على الشريعة وأهلها.

ثم إن التزام العلماء لهذا الحياد يجعلهم في خانة التهمة عند الناس بسكوتهم أمام الباطل، وعدم نطقهم بكلمة الحق، قال سبحانه: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

أليس الحديث عن تعديل مدونة الأسرة ومراجعة نظام الإرث من صميم الفتوى الشرعية؟؟

أليس الحديث عن الشذوذ الجنسي المخالف للإسلام من صميم الفتوى الشرعية؟؟

أليس الحديث عن ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع من صميم الفتوى الشرعية؟؟

لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصبر في سبيل هذه المهمة الفاضلة، فقال سبحانه {وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

يقول العلامة محمد المكي الناصري رحمه في تفسيره لهذه الآية: “دَعْوَةٌ إلى وجوبِ الثَّباتِ على الحَقِّ والتَّمَسُّكِ به دون هَوادَةٍ ولا لِينْ، في وجه الغافلين والمُتَنَطِّعينَ، وَأَتْباعِ الأَهْواءِ الظَّالِمِينَ” التيسير لمحمد المكي الناصري (436/3).

فغياب الفتوى غياب لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم لننظر أيضا إلى المفاسد الأخرى الناتجة عن غيابها وهي كثيرة منها:

– احتلال مكان العلماء من قبل التافهين الجاهلين الذين ليس لهم علم بالعلم الشرعي فيتكلمون في دين الله بغير علم، فلماذا لا يلزم هؤلاء بالحياد؟؟

– ظهور الفتاوى الشاذة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتكون ذريعة لانحرافات أخلاقية.

– تطبيع الناس مع المحرمات، بسبب ظهور فتاوى ماجنة تبيح المحرمات كالربا والخمر وغيرها.

– زعزعة ثقة الناس في مؤسسة العلماء، فليس دور هذه المؤسسة محصور في المناسبات والأعياد، بل هي مؤسسة علمية مصاحبة للناس في كل صغيرة وكبيرة، وهنا سنسترجع بإذن الله الثقة في هذه المؤسسة.

إن عودة الفتوى الشرعية له الأثر المحمود على الفرد والمجتمع بحماية الدين وضمان سيرورته الضامنة للاستقرار في كل جوانب حياة المجتمع، وبالله التوفيق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M