ومضات على خطى رمضان

10 مارس 2024 16:54
هوية بريس – أنس هيباوي 
أخي الحبيب، ها هي ذي النفحات الربانية بدأت تملأ الوجود جالبة معها ألوانا زاهية من البشائر والمسرات معلنة بذلك حلول ضيف كريم عزيز على قلوبنا ولسان حالنا يقول: “اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان و السلامة و الإسلام” .إنه رمضان!! هذا الزائر خفيف المُقام قد عاد مرة أخرى بعد أحد عشر شهرا من الغياب، ليعلن عن مرحلة جديدة من مشوار الحياة التي لابد لنا فيها من وقفة تأمل في حصيلتها و مراجعة لأهم أحداثها و أحوالها.
أيها الغالي، لقد أكرمك الله و أنعم عليك لمّا جعلك من الذين بلّغهم رمضان، فطوبى لمن أرى ربه في هذا الشهر المبارك ما يحب و يرضى، ألا إن أبواب الجنان قد فتحت و أبواب النيران قد أوصدت ألا فالبِدار البدار إلى التوبة و الندم على ما فات و تصحيح المسار قبل الممات. أخي الفاضل لو قُدّر وأزحت التراب عن أحد الموتى ثم سألته ماذا لو أعاد الله له الحياة في هذا الشهر، ماذا كان سيفعل؟ لأجابك بنفس ملؤها الندم و الحسرة أنه سيُقبل على الله بكل أصناف الطاعات والقربات ويُدبِر عن ضدّها من المعاصي و المحرمات لعله ينال رضى رب البريات، لكن هيهات هيهات فقد غره طول الأمل حتى أدركه الأجل، فاربأ بنفسك أيها اللبيب الكيّس من الخسران و هب لو أنك كنت مكان هؤلاء الناس الذين ماتوا و قد ودّعوا موسم الخيرات هذا إلى غير رجعة و قد كانوا هم أيضا من قبل يسوفون و يظنون أن رحلة الحياة لا زالت طويلة، فإياك ثم إياك أن تجعل من أيام رمضان كغيرها من سائر الأيام، تذكر _جعلني الله و إياك من الذين صاموه و قاموه إيمانا و احتسابا_ أن تجعل من هذه الأيام المعدودة أفضل أيام حياتك و أعظمها قدراً و اهتماما و قد حق لها أن تكون كذلك، فإنها أيام تصام تباعا و تنقضي سراعا، و اعلم رعاك الله أن استثمارك لهذه الفترة الوجيزة من عمرك سيربحك إن شاء الله ما لا يخطر لك على بال من خيري الدنيا و الآخرة، فاجعلها إذن محطة فارقة بين ما قبلها و ما بعدها كي ترتقي بنفسك و روحك معا نحو العوالم الربانية النورانية.
دعني أخبرك أن الرعيل الأول من سلفنا الصالح كانوا يعلمون حقا و صدقا ماذا يعني رمضان فقد كانوا يعملون أعمالا بحجم و قدسية هذا الشهر كما شرفه الله و عظمه، إذ يتسابقون و يُعدّون له العدة طيلة ستة أشهر و هم متطلعون بشوق متى يحل موسم الرحمات هذا، و تجدهم يرفعون حالة التأهب بمجرد دخول شهر شعبان، أما بحلوله فلا شيء يمكنه أن يحول بينهم و بينه، بحيث أنهم كانوا يؤجلون كل أشغالهم الدنيوية غير الضرورية إلى ما بعده فيشمرون على سواعدهم بالتفرغ لما هو أهم من صلاة و صيام و صدقة و تلاوة للقرآن و ذِكر و دعاء و صلة للأرحام و هلم جرا…، فأبواب الخير لا حصر لها فتراهم يهتبلون هذه النعمة العظيمة و الفرصة الثمينة و يغتنموها أيما اغتنام، فلربما لا يدركونها في العام القادم، ثم إذا انقضى رمضان و انتهى بكوا على فراقه و انتحبوا لرحيله و لكنهم يستمرون بفضل رصيد الإيمان الذي حصّلوه فيه على ما كانوا عليه من علو في الهمة و إقبال على الخير و ثبات على الصلاح طيلة ستة أشهر التي تعقبه، راجين الله أن يتقبل منهم ما قدموا على طبق الإفتقار فهو سبحانه الغني الغفار، هكذا كان حال أولئك الصالحين مع شهر الخيرات و البركات، فماذا عنا نحن؟! ربما الظروف اليوم ميسرة أفضل من زمنهم على التزود من رمضان، و لذلك لم يبق لنا عذر في التقاعس عن بذل أسباب جلب رحمة الله و عفوه و دفع غضبه و مقته.
رسالتي إليك أيها اللاهي بأهواء نفسه أفق من الغفلة و تدارك نفسك، احزم أمتعتك فلقد حان وقت السفر و التنزه في هذه الرحلة الإيمانية مع عِباد الرحمان أولئك الذين يطلبون شآبيب الرحمة و الغفران من رب حليم غير غضبان، إنها فرصتك يا صاحبي لتتصالح مع ربك و تبدأ صفحة بيضاء ترسم فيها كل ما هو جميل. صدقني إن قلت لك أن ذلك الإحساس المرهف الذي ستشعر به عند إقبالك على الله لهو أعذب من الماء الزلال عند اشتداد الظمأ فأنت تتعامل مع الكريم الذي يحسن إكرام عباده و يُجزِل لهم الثواب.
أخي الحبيب، إن أبواب السماوات قد باتت مشرعة على مصراعيها تنادي على لسان الغفار: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟… إنه ذلك النداء النوراني الخالد الذي تخفق له القلوب فرحا و تهيم به الأرواح شوقا و كلها أمل في التحرر من درن العبودية الهوجاء و الإنفكاك من طموحات الهوى الخسيسة التي تورث البؤس و الأسى في كل زاوية من زوايا الفؤاد، نعم لقد جاء الفرج من صاحب الفرج فتخيل معي حفظك الله كيف أن ملك الملوك يدعوك أيها العبد الضعيف المغلوب على أمره إلى مائدة عفوه و كرمه و فضله و قد كنت تبارزه بشتى أنواع العصيان و التمرد، و لكنه رحمة بك فتح لك باب عفوه الفسيح لكي يسامحك، فإن قبلت أغرقك في نعمه و صانك بحفظه بل و يباهي بك عند أهل السماء أن يا ملائكتي هذا عبدي قد اعتصم بحبلي المتين و اتبع صراطي المستقيم، أشهدكم أني قد غفرت له، فأنْعِم به من مقام قد منحك الوهاب إياه فماذا أنت صانع إذاً!؟
أخي، دعني أهمس في أذنيك هذه الكلمات الصادقة اللطيفة(أو الرقيقة) المخضبة بمشاعر الود و الحب عساها تجد آذانا صاغية أو صدرا رحبا لعلها تسكن آلامه، و تطهر الصدأ الذي دنس القلب، فتكون لك بإذن الله انطلاقة مشرقة، فهيا بنا إذن لننضم إلى ركب قوافل الريان و ليكن شعارك: ” يا باغي الخير أقبل”.
آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M